الجزائر | تنقسم الجزائر هذه الأيام، إلى شطرين متباعدَي الاهتمامات والأهواء؛ أحدهما منغمس حتى الأذنين في الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقررة في العاشر من أيار المقبل، مع سعي يومي إلى اجتذاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، والآخر غارِق في مصاعب العيش اليومي، ويسعى إلى أن يحشد قواه في حراك احتجاحي لاستعادة الحقوق التي حُرم إياها طويلاً. ولا يمرّ يوم واحد إلا تشهد ولاية أو ولايات عدة اعتصامات ومسيرات مُطالبة بفرص العمل والسكن، أو للتنديد بظلم قوى الأمن أو الإدارة. وتشهد الولايات نفسها اجتماعات وندوات سياسية تهدف إلى استكمال قوائم الترشّح للانتخابات. وفي تيزي أوزو، كبرى مدن منطقة «الأمازيغ»، اندلعت أول من أمس مواجهات بين شرطة مكافحة الشغب ومئات المحتجين من سكان حي «المدينة الجديدة»، أدّت إلى وقوع عشرات الجرحى من الطرفين. أما سبب المواجهات، فكان اعتقال شاب من أبناء الحي، قالت الشرطة إنه متورط في الاتجار بالمخدرات، بينما أكد السكان أنه «شاب سوي وخلوق»، جازمين بأن الأمر يتعلق «بتصفية حساب، لكونه تشاجر مع شرطي أساء الأدب مع فتاة من الحي». وعلّق الشباب المحتجون لافتات تندّد بـ«الظلم الفاضح» الذي تمارسه الشرطة. في غضون ذلك، كان قطاع الصحافة يشهد حالة من الغليان، منذ الأحد الماضي، إثر اعتداء مجموعة من عناصر الشرطة على الصحافية حنان إدريس من صحيفة «منبر القراء»، والمصوِّر محمد قادري، من صحيفة «وقت الجزائر»، أثناء تغطيتهما تجمُّعاً احتجاجياً نظّمه مواطنون أمام مقرّ البرلمان. ووسط الإدانات لسلوك رجال الشرطة وعنفهم، سعت «المديرية العامة للأمن الوطني» إلى نزع فتيل الغضب، مؤكدة أنها توصلت إلى تحديد هويات رجال الشرطة الذين اعتدوا على الصحافيين، واتخذت بحقهم إجراءات عقابية.
في هذه الأثناء، يواصل الأطباء المتخصصون إضرابهم منذ أسبوع، للمطالبة بتحسين ظروف عملهم ورفع الأجور وإعادة تجهيز المستشفيات العمومية التي تعاني نقصاً كبيراً في التجهيزات الطبية. وقال رئيس نقابة الأطباء المتخصصين العاملين في القطاع العمومي الدكتور محمد يوسفي، إن الإضراب يشارك فيه أكثر من 80 في المئة من الاختصاصيين. وحاولت وزارة الصحة التخفيف من وقع هذه الاحتجاجات، وتجاهلت تقاعُس السلطات في تحقيق مطالب الأطباء، وهو ما أدى إلى هجرة أكثر من سبعة آلاف طبيب متخصص إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا ودول الخليج. أمر جعل قطاع الصحة الجزائري يواجه نقصاً حاداً في الأطباء في أكثر من 40 تخصصاً، منها طب العيون والقلب وجراحة العظام. وهي تخصصات كانت الجزائر متقدمة فيها على دول المنطقة لعقود.
في المقابل، يستعدّ قطاع التعليم لتنظيم إضراب عام في مطلع نيسان المقبل؛ وقد منحت نقابات المعلمين وزارة التربية مهلة أسبوع بعد استئناف الدراسة، لتطبيق بنود الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الجانبين إثر إضراب سابق، في بداية العام الدراسي، وإلا فستُعطَّل الدراسة حتى موعد امتحانات نهاية السنة. ويبلغ عدد المنخرطين في نقابات التعليم التي قررت المشاركة في الإضراب، نحو نصف مليون مدرِّس وعون تربوي.
وفضلاً عن هذا التململ الذي تعيشه مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، بسبب ضعف الأجور وتردّي ظروف العمل، شهدت أكثر من 30 ولاية جزائرية خلال الأسبوع الجاري، حركات احتجاجية في الشوارع، من مسيرات وتجمعات واعتصامات أمام مقار إدارة الولايات (المحافظات) والبلديات والدوائر الحكومية، وخصوصاً المعنية منها بقطاعات التوظيف والسكن. ومن بين المحتجين عدد كبير من حملة الشهادات الجامعية في الهندسة والطب والتكنولوجيا والزراعة والاقتصاد والعلوم الإنسانية بمختلف فروعها. حال من الغليان والاحتجاجات تُنذر بتصعيد المواجهات بين الغاضبين على السلطات والموالين لها. ويُرتقب أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة مزيداً من المناوشات والصدامات بين قوى الأمن المكلفة السهر على حسن سير الحملة الانتخابية، والناقمين على الأوضاع الذين يهدّد حراكهم الاحتجاجي بتعكير أجواء الانتخابات.