حذّر رئيس المجلس التنفيذي السابق في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، محمود جبريل، من الهوّة التي تزداد يوماً بعد آخر في ليبيا بين المواطنين والثوار من جهة، والمجلس الانتقالي من جهة أخرى. لكنه قلّل، خلال دردشة مع «الأخبار» في بيروت، من خطورة انتشار السلاح، معتبراً أن الشارع الليبي يملك الوعي الكافي لدرء خطر أي حرب أهلية. وقال جبريل، في محاضرة ألقاها في فندق البريستول في بيروت أول من أمس، بدعوة من مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان: «تأملات في الربيع العربي: ليبيا نموذجاً»، إن المجلس الوطني الانتقالي الليبي تأسس من أجل إنشاء قيادة موحّدة للثورة الليبية حتى لا تبقى متشرذمة مثلما حصل في مصر وتونس، وإن الدور المناط بهذا المجلس بعد التحرير هو الوصول بالبلاد إلى مرحلة انتخاب المؤتمر الوطني لصياغة الدستور الجديد لليبيا.
وعن استقالته من رئاسة المجلس التنفيذي الذي كان يوازي رئاسة مجلس وزراء في المرحلة الانتقالية الأولى من الثورة، قال جبريل إن هذه الاستقالة أتت من ضمن صيغة كان متفقاً عليها بين أعضاء المجلس، تقضي بأن «على أعضاء المجلس والمجلس التنفيذي أن يستقيلوا لتُنتخب قيادات جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية، ولكن ذلك لم يحصل»، مشيراً إلى أن استقالته جاءت وفق هذه الصيغة، لكنّ الآخرين لم يستقيلوا، الأمر الذي «أفقدهم شرعيتهم الديموقراطية، وخاصة في ظل الأداء الهزيل للمجلس اليوم».
ورفض رئيس الوزراء الليبي السابق الاتهامات التي وجهها البعض إلى الثورة بالعمالة للغرب وبالانخراط في مؤامرة خارجية ضد ليبيا، مشيراً إلى أن طلب التدخل الغربي أتى من الدول العربية وتبنّته الأمم المتحدة تحت الفصل السابع، وفي 19 آذار أُنقذت المنطقة الشرقية من «كارثة محتمة» وأوقف الزحف العسكري لكتائب العقيد معمر القذافي الذي كان يقول إنه لن يتوقف إلا في السلوم على الحدود المصرية الليبية». وقال جبريل إنه كان على المنتقدين إيجاد حلّ بديل لوقف آلة القتل والقمع بدل الانتقاد والاتهام بالخيانة.
أما مسألة الدعوات إلى الفدرالية، فقد هوّن جبريل منها، معتبراً أن «إعلان الحكم الذاتي في إقليم برقة لا يعبّر سوى عن شريحة صغيرة لا تتجاوز أربعة آلاف شخص، تخوّفوا من تكرار حالة الإقصاء التي عانوا منها في ظل النظام الراحل، ولا سيما أن إصدار قانون الانتخابات الجديد معيب» في مسألة إحلال التوازن في التمثيل بين المناطق. وتطرق إلى الفساد المالي المستشري، مقرّاً بأن «هناك أموالاً تهدر الآن، لأنه ليست هناك إدارة رشيدة لتدبير صرف الأموال، والفساد متفشّ، ولا يوجد رقيب ولا حسيب».
وعن المرحلة المقبلة، تحدث جبريل عن إنشاء تكتّل وطني يضم أكثر من 50 حزباً ونحو 80 منظمة مدنية يحاول سدّ الفراغ الناتج من غياب الجيش والشرطة، موضحاً أن هذا التحالف العريض يقوم على أهداف أساسية منها الحفاظ على وحدة التراب الليبي والمساواة في الحقوق بين المواطنين والتنمية المكانية وتحقيق اللامركزية بديلاً من الفدرالية، وتأكيد هوية الشعب الليبي العروبية والإسلامية الوسطية.
وتحدث جبريل عن ثلاثة سيناريوات لليبيا: الأول يتعلق بالانتشار العسكري. وهنا قلّل من خطورة هذا الأمر، مشيداً بوعي الشارع الليبي، ومعتبراً أن «هذا الشارع أثبت أنه مثال يمكن الاعتماد عليه. فالشارع يثبت أنه شارع واحد وقادر على ضبط إيقاع الأمور حين تخرج عن مسارها». وأكد أن الشعب الليبي نسيج واحد رغم محاولات القذافي على مدى 42 عاماً شرذمته، داعياً إلى أن يكون هذا الشعب دائماً صفاً واحداً، وأن يتجاوز خلافاته، وأن تكون حقوق المواطنة متساوية بين الجميع.
السيناريو الثاني الذي نبّه جبريل منه هو محاولة جهات خارجية أن تستفيد من فترة يسودها فراغ سياسي وأمني، فتحاول أن تؤلّب القلوب بعضها على بعض من أجل أن تنفذ أهدافها، قائلاً «أرجو أن يكون الوعي هو الضمان لاكتشاف هذه الأمور والحيلولة دون حدوثها». أما السيناريو الثالث فهو التساؤل عن سبب الانتظار حتى حزيران المقبل لإجراء انتخابات للمؤتمر الوطني، مشيراً إلى طرح يقضي بإعطاء الفرصة للمجالس المحلية بأن تعيد انتخاب أعضائها ثم ترسل بأعضاء جُدد إلى المجلس الانتقالي، حينها يصبح المجلس الانتقالي الجديد مجلساً منتخباً يُكلّف بصياغة الدستور، ولا داعي للذهاب إلى المؤتمر الوطني، بل نذهب مباشرة إلى انتخابات تشريعية بعد إقرار الدستور.
وأضاف أن هذه السيناريوات الثلاثة «قابلة للتطبيق، لكن أنا أملي ورهاني على أن وعي هذا الشعب والعذابات التي عانى منها على مدى 42 عاماً دائماً ستذكّر الليبيين بأن العودة إلى 42 سنة أخرى ستكون صعبة».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار»، أوضح جبريل أن السلاح المنتشر في ليبيا لا يمثّل تهديداً بحدوث حرب أهلية. وقال إن المسلحين لا يستطيعون ترك ليبيا في حال من الفراغ الأمني في ظل غياب القوى الأمنية الرسمية، وبالتالي فالثوار يرون أن تمسكهم بالسلاح هو لتحقيق أهدافهم في إيصال ليبيا إلى بر الآمان، وهذا يتطلب أيضاً تعويض هؤلاء الشباب الذين شاركوا في الثورة بوظائف مناسبة في الدولة.
وفي ردّه على سؤال لـ«الأخبار» عن دوره السياسي في مستقبل ليبيا، أوضح أنه استقال من رئاسة المجلس التنفيذي، لكنه يبقى يساعد قدر الإمكان حتى يصل التحالف الوطني إلى المؤتمر الوطني في حزيران المقبل، وتأليف جمعية وطنية لصياغة دستور يساوي بين أبناء الوطن. وبعدها «آن لهذا المحارب أن يرتاح ويعود إلى البيت»، مشيراً إلى حاجته لمتابعة الكتابة.