رام الله | أنهى خضر عدنان جولته منتصراً في معركة «الأمعاء الخاوية» وسلّم الشعلة الى هناء الشلبي، كي تخوض جولتها كمقاتل عنيد يأبى التفريط في حقه. تدخل هناء يومها التاسع والثلاثين من الإضراب المفتوح عن الطعام وجسدها المتهالك يصرّ على المقاومة والسير في الإضراب، فإما «الحرية أو الشهادة». والمعركة متواصلة في ظل فشل المفاوضات بين هيئة الدفاع والنيابة الإسرائيلية، بحيث لم يجر التوصل الى حلّ مشترك في محاولة لوضع حدّ لمعاناة الأسيرة. ومن خلال مدير الوحدة القانونية في نادي الأسير المحامي، جواد بولس، الذي زارها في مستشفى سجن الرملة، بعثت هناء برسالة تقول: «صحيح أن حياتنا أغلى ما نملك، لكن تبقى حريتنا أغلى وهي أقوى من زنازينهم».
وأشارت الى أن الادارة نقلتها على نحو مفاجئ الى مستشفى «رامبام» في حيفا من أجل إجراء الفحوص الطبية اللازمة، وبعدها نقلوها إلى مستشفى سجن الرملة من دون مشاورتها ورغم رفضها.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من عدّة مصادر، فإن إدارة السجون الإسرائيلية تحتجز الأسيرة الشلبي وحيدة، في نفس الغرفة التي كان يقبع فيها الأسير خضر عدنان خلال اضرابه عن الطعام. وقد فقدت من وزنها ما يقارب 16 كيلوغراماً، بحيث أصبح وزنها 56 من أصل 73، وهي تتعرض لضغوط كبيرة كي تُنهي إضرابها المفتوح عن الطعام. وتتمثل هذه الضغوط في إقناعها بأن الإضراب يؤثر عليها أكثر لكونها فتاة، وقد يصيبها الشلل أو تتعرض لمكروه أكبر، وكذلك استغلال كونها في عزلة تامة عن الخارج، واستخدام أسلوب تحطيم المعنويات، وخصوصاً عبر محاولة مقارنتها بإضراب الأسير خضر عدنان وحجم التضامن معه. ولأن إسرائيل تمارس الكذب كعادتها في قضية الشلبي، فقد نفى رئيس نادي الأسير، قدورة فارس، ما تحدثت عنه لجنة «الأخلاقيات» في مصلحة سجون الاحتلال بأن الوضع الصحي للأسيرة هناء الشلبي مطمئن. وأكّد أن وضعها الصحي خطر جداً، حتى إنها دخلت في مرحلة يمكن أن تُستشهد فيها في أية لحظة.
لكنّ هناء أعلنت بصوت عال، إصرارها على الاستمرار في إضرابها المفتوح عن الطعام. إصرار عبّرت عنه كلماتها عندما علمت بأنها في مدينة حيفا وهي «مدينتها الأصلية التي تنحدر منها عائلتها اللاجئة»، بعد دخولها الى المستشفى، التي قالت فيه: «دخلت حيفا وأنا على سرير المرض، وفي أيدي السجانين، وعندما علمت أنني في مدينة أحلامي شعرت بغبطة عجيبة، وبأن شيئاً انتابني لدخول روحي إلى تلك المدينة، فزادني ذلك قوة وإصراراً على المضي في خطوتي». علماً أن الأسيرة لم تدخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 طوال حياتها من دون اعتقال.
هناء، التي قال المحامي بولس إنها تتمتع بمعنويات عالية، وجهت تحية من غرفة عزلها في المستشفى، إلى كل المتضامنين والأحرار وأبناء شعبها، الذين قدموا إليها كل الدعم من أجل تحقيق أهدافها. وقالت «هذه المسيرة، هي مسيرة لكل أسرانا وليس لي فقط». من أين تستمد هناء كل هذه القوة والإصرار؟ من يعرف عائلتها يدرك الإجابة. هناء هي ابنة يحيى شلبي (67 عاماً)، وهو أب لعائلة مناضلة بامتياز. فلهناء خمس أخوات، وثلاثة أخوة، استشهد رابعهم، سامر، برصاص الاحتلال. «الأخبار» التقت عمر شلبي، شقيق هناء، الذي أكد أن حكايتها مع الإضراب عن الطعام، كانت قد قرّرتها، قبل الإفراج عنها في صفقة «شاليط» احتجاجاً على استمرار اعتقالها، لـ25 شهراً متواصلة في الاعتقال الإداري.
وصف عمر كيف أن هناء لحظة اعتقالها من قبل قوات الاحتلال يوم 16 شباط الماضي، أبلغت عائلتها أنها ذاهبة إلى اضراب مفتوح عن الطعام لحظة مغادرتها المنزل، طالبة دعمهم، وعدم خوفهم عليها. عجز عمر عن وصف شعور «الأخوة» مع هناء في هذه اللحظات، لكنه قال إن الأهم هو «أن ما تفقده يصعب عليك تعويضه»، في إشارة الى شقيقه الشهيد سامر. وهو ما يقلقهم في معركة الأسيرة هناء، من أن تلقى نفس المصير.
«معنويات هناء عالية، وهي مؤمنه بالله»، يقول عمر، «ونحن لم نتوقف عن الدعاء لها، وما يخفف عنا، هو خيمة الاعتصام التي أقمناها أمام منزلنا، والتي لا تتوقف عن استقبال الوفود المتضامنة، من جنين والقدس ورام الله وفلسطين المحتلة عام 1948، كما هي الحال بالنسبة إلى المسيرات والتظاهرات التي تصلنا».
سلطات الاحتلال، تواصل رفض منح عائلة الأسيرة هناء تصريحاً لزيارتها، رغم تدخل العديد من المؤسسات والمحامين. وقد أوضحت لجنة الأسير في هذا السياق أنّ العشرات من الطلبات قُدّمت الى إدارة السجون للحصول على تصريح لوالدي هناء لمقابلتها، لكن الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال ترفض بذريعة «الخطر الأمني».
في غضون ذلك، كشف مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط، جاي ميليت، أن طبيب اللجنة ومندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نظموا زيارات شبه يومية للأسيرة شلبي لدى احتجازها في سجن هشارون، منذ خوضها إضرابها المفتوح عن الطعام. وأشار ميليت ونائبه إلوي فيليون، إلى أنّ اللجنة الدولية تتابع باهتمام بالغ توسّع حالة الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، حيث تستعد طواقمها للتكيّف مع هذا التوسع، كما كشفا عن سعي اللجنة الحثيث من أجل السماح لذوي الأسيرة هناء شلبي بزيارتها قريباً.
«الصليب الأحمر» ليس وحده من يتابع قضية هناء. هناك وزير الأسرى ونادي الأسير ومؤسسة الضمير ولجنة الأسير وأطباء لحقوق الإنسان، والعديد من المؤسسات الدولية والمحلية الفلسطينية، التي تواصل السعي إلى نصرتها ومساعدتها في إضرابها المفتوح.
إضافة الى ذلك، فإن حملات التضامن التي تشهدها الأراضي الفلسطينية معها لها تأثير قوي على دعم قضية هناء، إذ لا يكاد يخلو يوم من تنظيم فعاليات تضامنية وسط مدينة رام الله في الضفة الغربية، وهي نفس الحال في قطاع غزة، والخليل جنوب الضفة الغربية، وحتى نابلس شمالها، كما يستعد الشارع الفلسطيني لبدء الأسرى في سجون الاحتلال «الإضراب الكبير» عن الطعام، الذي سبق أن أُعلن أنه تحت اللمسات الأخيرة لانطلاقه، بحيث بدأت كافة القوى الشعبية والشبابية والرسمية بترتيب وتخطيط فعاليات التضامن مع هذا الحدث الكبير.
على مستوى التضامن السياسي، التقى رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، عائلة الأسيرة، في مكتبه في مدينة رام الله، وقال إن «هناء تواصل إضرابها عن الطعام، وقد سبقها الأسير خضر عدنان في التعبير عن رفضه للاعتقال الإداري، وذلك من منطلق الانتصار لكرامتها وحقوقها وحقوق كافة أسرانا، واحتجاجاً على الاعتقال الإداري الممارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا». وأضاف «هذه رسالة شعبنا، ورسالة كافة الأسرى في مسعاهم إلى تثبيت حقوقهم والانتصار لكرامتهم».
أما وزير الأسرى، عيسى قراقع، فقد دعا الى اعتبار أيام «الجمعة» مناسبة للتضامن الشعبي مع هناء في كافة محافظات الوطن، وتنظيم مسيرات وتظاهرات، والتوجه الى خيمة التضامن معها في بلدتها برقين قضاء جنين. وحمّل سلطات الاحتلال المسؤولية عن حياتها إثر تدهور حالتها الصحية.
وطالب عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، النائب قيس عبد الكريم «أبو ليلى»، الجماهير بالمشاركة في أوسع حملة تضامن مع الأسيرة، التي تخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام للأسبوع السادس، وتقاوم سلطات الاحتلال ومصلحة سجونه بأمعائها الخاوية، وبالوقوف أيضاً الى جانب الحركة الأسيرة في وجه الحرب التي تشنها سلطات الاحتلال بحق أفرادها.
وقال أبو ليلى إن «ما تقوم به الأسيرة هناء الشلبي من مقاومتها للاحتلال ورفضها قرارات الاعتقال الاداري الجائر الذي تفرضه حكومة الاحتلال عليها، وعلى مئات الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، ما هو الا معركة للكرامة وللحرية، ليس للأسيرة الشلبي فحسب، بل أيضاً لكافة أسرانا»، مشيداً بالدور البطولي الذي تجسده الأسيرة الشلبي «وكذلك من بدأ هذه المسيرة، وهو الأسير خضر عدنان، الذي استطاع الانتصار بإرادته على السجّان وقيوده».
رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك أكد من داخل سجنه في «عوفر» أن ما تقوم به هناء، وانضمام العديد من الأسرى اليها في إضراب مفتوح، من شأنهما أن يكملا هذه المسيرة، ويستجلبا ضغوطاً أكبر وأكثر نجاعة على إسرائيل، بهدف إيقاف عمليات الاعتقال الإداري، ولا سيما بهذه الأعداد الكبيرة، وخاصة اعتقال النواب والقادة، الذين أمضى بعضهم فترات طويلة وراء القضبان.



خضر عدنان «خجل»

قال الأسير خضر عدنان (الصورة)، أمس، إنه يخجل من نفسه وهو يتناول الطعام ويسمع أن الاحتلال ينقل الأسيرة هناء الشلبي من مستشفى إلى آخر. ونُقل عدنان يوم الثلاثاء من مستشفى زيف إلى مستشفى سجن الرملة. وعلى الرغم من التحسن الذي طرأ على صحته بعد معركة «الإمعاء الخاوية»، التي خاضها طوال 66 يوماً، فإنه لا يزال يعاني جراء عدم تنفيذ التوصيات الكثيرة التي أعطاها الأطباء في مستشفى زيف، من قبل الطاقم الطبي في سجن مستشفى الرملة، في ظل نقص الكثير من الإمكانات.
فمن قائمة الخضار التي يجب أن يتناولها لا يتوافر إلا صنفان فقط، إضافة الى ذلك، فإن بعض الفيتامينات التي يجب أن يتناولها، كـ «الأوميغا 3» و«الكالسيوم»، سُحبت منه لأنها غير متوافرة، وهو الآن لا يتناول المواد الغذائية اللازمة له.