القاهرة | أكثر ما يلفت النظر في مشروعَي قانون «بيت المال» و«حدّ الحرابة» في مصر، اللذين تقدم بهما نائبان سلفيان، ليس موقف حزبهما «النور» السلفي، ثاني أكبر الأحزاب من حيث عدد المقاعد في مجلس الشعب، بل موقف بقية الأطراف منهما: «الإخوان المسلمون» ووزارة العدل ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء، وهو ما يكشف عن مدى نفوذ السلفيين في مصر اليوم؛ فقد تقدم النائب عن «النور»، محمد طلعت، أول من أمس، بمشروع قانون إنشاء «بيت مال» لجمع الزكاة والعشور، بما أن «بيت مال المسلمين هو بداية حلم عودة الخلافة الإسلامية» بحسب طلعت، ووافقت عليه اللجنة الدينية في البرلمان، التي يرأسها النائب عن حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، سيد عسكر، بعدما أدخل عليه حزبه تعديلاً واحداً أساسياً قبل أن يُحال على لجنة فرعية مصغرة لصياغته، يقضي بألا تحل الهيئة محل مصلحة الضرائب، وأن يكون أداء الزكاة من خلالها اختيارياً، بعدما كان مشروع القانون الأصلي يتضمن العكس. في المقابل، رحّب مفتي الديار المصرية السابق، نصر فريد واصل، باقتراح إنشاء هيئة من الأمناء لمباشرة أعمال بيت المال. وكشف واصل عن وجود «مشروع مشابه كانت دار الإفتاء قد تقدمت به عام 1997» قبل أن يجهضه مجلسا الشعب والوزراء حين كان رئيس الحكومة الحالي، كمال الجنزوري، يرأس مجلس الوزراء في حينها أيضاً. وكان مجلس الشعب قد شهد قبل ذلك بأيام تقديم مشروع قانون يهدف إلى تطبيق «حدّ الحرابة» (عقوبات الإعدام الإسلامية)، على يد النائب عن «النور» أيضاً عادل عزازي، واجهه «الحرية والعدالة» في ما بدا أنه رفض للمشروع. لكنّ حزب «الإخوان» لم يعلن الرفض صراحةً، رغم تراث الجماعة الرافض لتطبيق الشريعة إلا بالتدريج. وعن هذا الموضوع، يقول عضو مجلس الشعب عن الحزب، ورئيس اللجنة التشريعية فيه صبحي صالح لـ«الأخبار»، إن حزبه يعتقد بإمكان تطبيق القانون بلا الأجزاء المتعلقة بقطع الساق أو اليد أو الصلب واللجوء إلى العقوبات المناظرة في القوانين المتّبعة. ومن وجهة نظره، لا أحد «يحق له تعطيل تطبيق حدود الله، وكل ما هنالك أنه لم يطبّق هذا الحدّ لعدم اكتمال شروطه» على حدّ تعبيره. في جميع الأحوال، لا يقول صالح بتأجيل تطبيق «الحدود» إلا إلى أجل قريب نسبياً، بما أنّ الدولة نفسها لم تستكمل بعد بناءها بعد الثورة، «وبالتالي فالأمر يستلزم أولاً إجراء الانتخابات الرئاسية وبعدها تولّي حكومة جديدة تضع خطة اقتصادية وتطبّقها قبل الحديث عن تطبيق الحدود من عدمه». إجراءات يرى القيادي «الإخواني» أنها لن تتحقق إلا قبل نحو خمس سنوات، لذلك فحزبه (الحرية والعدالة) وافق على مشروع القانون «فقط من حيث المبدأ»، لأنه يرى أن «الترويع المنتشر في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد، يقع تحت بند الحرابة، لكن ذلك لا يعني أننا نتبنّى كل العقوبات الواردة في المشروع كما هي» وفق صالح.
تصريحات من هذا القبيل تنذر بأن «تطبيق الحدود» يستلزم فقط سنوات قليلة، قد تعيد تسليط الضوء على دراسة للراحل حسام تمام، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية نُشرت قبل نحو عامين بعنوان «تسلف الإخوان: تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين». دراسة تخلص، كما يتضح من عنوانها، إلى زيادة نفوذ الأفكار السلفية في «الإخوان المسلمين» تدريجاً، خصوصاً في ظل العقود «النفطية»، أي في عقدَي السبعينيات والثمانينيات اللذين شهدا فورة أسعار النفط التي أدت إلى موجة من هجرة المصريين و«الإخوان» إلى دول الخليج. هجرة نالت السعودية جزءاً كبيراً منها، وهو ما أدى إلى نقل المزاج الوهابي إلى مصر، وخصوصاً بعد انكسار المشروع الناصري الذي حمل أوجهاً من التحديث. وبحسب الراحل تمام، فإن هيمنة هذا النفوذ «جرت في ظل انضمام أعداد كبيرة من شباب الجماعات الإسلامية وقتها إلى الجماعة، وهي هيمنة تجلّت في برنامج لحزب بدا أن الجماعة تنوي تأسيسه عام 2007 قبل أن تتراجع لاحقاً، وتضمّن حظر ترشح النساء والأقباط لمنصب رئاسة الجمهورية، وفرض رقابة دينية على البرلمان، وصولاً إلى انتخابات داخلية أفرزت هيمنة للتيار المحافظ في الجماعة نهاية 2009، وتُوِّجَت بتعيين محمد بديع مرشداً عاماً لها. ورغم كل ذلك، فإنّ عضو جماعة مكتب الإرشاد في الجماعة، جمعة أمين، يقول لـ«الأخبار» إن جماعته «لن تؤيّد تطبيق الشريعة إلا بعدما تظهر الدعوة إلى تطبيقها في المجتمع نفسه».
في جميع الأحوال، الفارق ليس كبيراً بين تصريحات صالح وتصريحات النائب السلفي عادل عزازي نفسه لـ«الأخبار»، إذ إن الرجل ينفي أن تكون «الحرابة» مدخلاً لقوانين شبيهة تُطبّق «الحدود» في الأجل القريب، «وكل ما هنالك أن الحرابة لها وضع خاص، إذ رأيت فيها رادعاً مناسباً لهذا الانفلات الأمني، بينما لم أعدّ أي مشاريع قوانين تتعلق بتطبيق أخرى، من قبيل الزنا أو السرقة مثلاً»، مشدداً على أنه لا يزال يُدخل التعديلات المطلوبة من مندوب وزارة العدل على المشروع قبل إعادة طرحه. وكان مندوب وزارة العدل في لجنة الاقتراحات والشكاوى في مجلس الشعب قد طلب من عزازي إدخال بعض التعديلات دون المساس بجوهره، من قبيل إضافة تعريفات واضحة للحدود ومعايير ما يسمّيه عزازي في مشروعه «التوبة» كشرط لإسقاط «الحدّ» عن الجاني. أما الأزهر، الذي يصوَّر في وسائل الإعلام كعنوان للإسلام المصري المعتدل، فقد وافق مبدئياً على مشروع القانون عبر أربعة مندوبين حضروا مناقشته. لكنّ تصريحات أحد هؤلاء، وهو محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، لـ«الأخبار»، كانت «مَلكية أكثر من الملك»، إذ رحّب ببدء تطبيق «الحدود» الواحد تلو الآخر، قائلاً إن «الأزهر، وهو المؤسسة العلمية الإسلامية الكبرى، لطالما ساند كل جهد لتطبيق الشريعة، بما فيها الحدود والعقوبات عامة».