القاهرة | لم يحيِ رحيل البابا شنودة التوقعات بشأن خليفته، بما أن تلك التوقعات بدأت في السنوات الأخيرة مع تقدُّم الراحل في السن، وكثافة الأنباء عن اعتلال صحته، وسفره المتوالي إلى الولايات المتحدة للعلاج؛ لذلك، فإنّ وفاته أعادت إلى الصحافة فقط الأسماء المكررة نفسها: ــ الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس ومطران دمياط وكفر الشيخ، المسؤول عن المحاكمات الكنسية. والمنصب الأخير لبيشوي هو الذي أكسبه هذا الصيت الواسع كأقوى رجال الكنيسة، وهو ما قد يعني من جهة أخرى افتقاده تأييد نسبة كبيرة من رجال الكنيسة.

لكن أكثر ما اشتهر به بيشوي خارج الكنيسة، تصريحاته التي أثارت ضجة واسعة حين قال أواخر عام 2010 إن المسلمين «ضيوف» حلّوا على مصر في القرن السابع، في إشارة إلى دخول العرب مصر، إضافة إلى تصريحات أخرى تسرّبت من دروس كنسية ألقاها الرجل، وفُسّرت على أنها تشكيك في القرآن. تصريحات واجهها في حينها المرشح الرئاسي الإسلامي المحتمل، محمد سليم العوا، في حوار مع قناة «الجزيرة» الفضائية، وصف فيه الكنيسة القبطية بـ«إمبراطورية البابا شنودة الموازية للدولة»، واتهمها بتخزين أسلحة في الأديرة، والسعي إلى تأسيس دولة قبطية. وقد سار بيشوي على درب البابا الراحل في الحفاظ على علاقة ودية مع الرئيس المخلوع، حسني مبارك، حين قال في حوار صحافي نشرته إحدى أكثر الصحف اليومية انتشاراً، إنه يحب مبارك ونجله جمال، وذلك رداً على سؤال عن تأييده له ليخلف والده.
ــ الأنبا يؤانس، وهو سكرتير البابا، الذي أتاح له منصبه التقرب من الراحل، ما مكّنه من رواية الأيام الأخيرة من حياته.
وقد أتاحت له ترنيماته الأسبوعية في كنيسة الزيتون شعبية واسعة بين أبناء الكنيسة، ما لفت الأنظار إليه بعدما أصبحت عظاته تجتذب الآلاف من الحضور، وبات نفوذه واضحاً بعدما استقبل مبارك في زيارته للولايات المتحدة.
كذلك تضمّ قائمة المرشحين لخلافة شنودة، الأنبا موسى، أسقف الشباب الذي استحوذ على شعبية واسعة بين أبناء الكنيسة لدعوته إلى الإصلاح داخلها، وهو ما اضطره بعدها إلى التراجع أمام انتقادات رجال الكنيسة الذين لمّحوا إلى أصوله البروتستانتية قبل اعتناقه الأرثوذكسية. إلا أن الرجل نفسه كثيراً ما أشار إلى مرضه في مواجهة التوقعات التي تفيد باحتمال ترشحه للمنصب.
لكن من جهة أخرى، أوحى تواتر تلك التوقعات حول الأسماء المرشحة كأنّ الاختيار يجري عبر التعيين لا عبر الانتخاب؛ فواقع الأمر أن اختيار البابا الجديد سيجري عبر الطريق ذاته الذي حكم اختيار سلفَيه، شنودة الثالث وكيرليس السادس، أي عبر القرعة الهيكلية من خلال اختيار طفل لا يزيد عمره على أربع سنوات ورقة من ثلاث ورقات مطوية، تحمل كل منها اسم أحد الفائزين الثلاثة بأعلى أصوات في الانتخابات التي تسبقها، والتي يشترط للترشح فيها «أن يكون مصرياً قبطياً أرثوذكسياً، وأن يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين الذين لم يسبق لهم الزواج، سواء كان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً، وأن تتوافر فيه جميع الشروط المقرة في القوانين والقواعد والتقاليد الكنسية، وأن يكون قد بلغ من العمر أربعين سنة ميلادية على الأقل عند خلو الكرسي البطريركي، وأن يكون قد قضى في الرهبنة عند التاريخ المذكور مدة لا تقل عن 15 عاماً»، بحسب ما ورد في نص لائحة عام 1957 لترشيح بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وهي شروط تنطبق على كل حال على نحو مئة رجل دين قبطي حتى الآن.
أما جمهور الناخبين، فهم أعضاء «المجمع المقدس» الذي يضم أساقفة مصر والمهجر، إضافة إلى «الأراخنة» أو الوجهاء من الشخصيات العامة والسياسية القبطية.
ولا تزال لائحة الشروط مثلما كانت قبل نحو نصف قرن، رغم المطالب بتحديثها، والتي تركزت على توسيع مجال الناخبين ليشمل مجموعات ممثلة لجمهور الأقباط.
لكن رئيس مجلس الدولة الأسبق، والرجل الثاني في «المجلس الملي العام»، (وهو مجلس من غير رجال الكنيسة يضم وجهاء الأقباط ويشارك في اتخاذ قرارات الطائفة)، نبيل ميرهم، حسم هذا الجدل في تصريحات لـ«الأخبار»، إذ نفى أي نية لتغيير اللائحة، وشكّك بنزاهة الطريق البديل المقترح، «لأننا مش حنجيب عيل (صبي) يمكن حدّ يشتريه بالفلوس (المال) ينتخب البابا الجديد»، كاشفاً أن البابا الراحل رفض تعديل اللائحة قبل
وفاته.