القاهرة | مع أن نبي المسلمين، محمد، همّ بالوقوف أثناء مرور جنازة يهودي قبل نحو 14 قرناً من الزمن، احتراماً لقدسية الموت، يبدو أن أتباعه اليوم لا يتشبّهون بأخلاقه، إذ استقبل عدد من السلفيين والجماعات الإسلامية نبأ وفاة بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر بزخّ الفتاوى التي تحرّم الترحّم على بابا الأقباط بل ورفض تقديم العزاء. وقد رفض عدد من نواب حزب «النور» السلفي، أمس، الوقوف دقيقة صمت حداداً على روح البابا في مجلس الشعب، وهمّوا بمغادرة الجلسة أثناء الوقفة.
كذلك تعمد عدد آخر منهم التغيّب عن حضور الجلسة الخاصة بتأبين البابا شنودة، رغم التعزية البروتوكولية التي قدّمها ممثل الهيئة البرلمانية لنواب الحزب السلفي في البرلمان، داعياً إلى أن يوفق الأقباط في اختيار خليفه لشنودة يعمل على التسامح بين الأقباط والمسلمين في الفترة المقبلة.
وفي سياق مواصلة بثّ مشاعر الكره تجاه الأقباط، تناقلت مواقع إسلامية متطرفة وغيرها فيديوات مسجلة لشخصيات دينية معروفة بتشدّدها في الهجوم على شخصية البابا. فاستقبل موقع «أنصار السنّة المحمدية» نبأ وفاة البابا بالتدليل على حرمة التعزية ببابا الأقباط، بحيث اعتبر الموقع التعزية أشد خطراً من تهنئة النصارى في أعيادهم أو شعائرهم الدينية، مستشهدين بالآية القرآنية «ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم». الموقع نفسه لم يقف عند هذا الحد، بل طالب المسلمين بلعن البابا شنودة لأنه مات كافراً.
المواقع السلفيّة بدورها تبارت من أجل رفض مشاعر الحزن التي انتابت جموع المسلمين في مصر بفقدان البابا شنودة. ونشر موقع «قناة المخلص» السلفي مقالاً يعلّق على وفاة البابا تحت عنوان «أخيراً رحل رأس الفتنة»، وجاء فيه «رحل الأنبا شنودة عن الدنيا بعدما ترك إرثاً من الكراهية والعداء بين المسلمين والنصارى في مصر المحروسة. رحل رأس الفتنة بعدما كاد يُسقط البلاد في فخ الفتنة الطائفية لمرات عديدة على مرّ تاريخه الأسود الذي اعتلى فيه منصب البابوية».
على الدرب نفسه من التجرّؤ على الموت، نشر موقع «أنا المسلم» السلفي تصريحات للداعية الإسلامي وجدي غنيم، ينتقد تعزية القرضاوي بالبابا شنودة الثالث، ويوجه له رسالة سخرية تقول «عزّي في البابا مش هتعزي في الماما!!». قبل أن يزيد ويقول عن وفاة البابا «مصر قد استراحت من رأس الكفر والعبد الفاجر والهالك والمجرم الملعون وعدو الإسلام ينتقم منه رب العباد والذي ولع مصر، واننا نفرح لهلاكه لعنة الله عليه ولعنة الناس عليه، غار في ستين داهية». وبتحدّ اختتم الشريط المصوّر قائلاً «أنا وجدي غنيم وهذا الكلام صادر مني وبصوتي بتاريخ الأحد 18/3/2012».
تلك التصريحات وغيرها دفعت «منظمة الاتحاد المصري لحقوق الانسان» إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام يتهم وجدي غنيم بـ«السب والقذف وازدراء الأديان وتقويض الوحدة الوطنية وتعريض الأمن والسلم الوطني للخطر والتحريض على الفتن الطائفية وإشاعة أخبار كاذبة ومضللة». وطالبت «بضبطه وإحضاره وتقديمه للمحاكمة ومنعه من السفر، ووضعه على قوائم ترقب الوصول، لأن ما فعله يهدّد وحدة مصر بأبنائها بمسلميها وأقباطها، ويتنافى تماماً مع طبيعة الشعب المصري المحبة لبلادها ولرموزها».
وقال مستشار الكنيسة، نجيب جبرائيل، في حديث إلى «الأخبار»، «نقف، أمام من يهين الإسلام والمسلمين، بالمرصاد، نحن كأقباط قبل المسلمين. ونسعى لتقديمه إلى النيابة العامة وإخضاعة لمحاكمة سريعة وعادلة، لذا نطالب بسرعة التحقيق مع الداعية السلفي الذي تجرأ على قدسية الموت، وسبّ البابا ميتاً».
ومن المقرر أن تبدأ مراسم تشييع جثمان البابا شنودة في الحادية عشرة من صباح اليوم. وبناءً على وصيته، سيدفن في وادي النطرون بصحراء مصر الغربية. وبدأت الكنيسة منذ مساء أمس استعداداتها لمراسم الجنازة. وأُنزل جثمان البابا من على كرسي مار مرقس، الكرسي البابوي، ووضع في التابوت الذي سيدفن به، تمهيداً للصلاة على جثمانه غداً. كذلك أُخليت الكاتدرائية وأُغلقت الأبواب الخارجية ومُنع الآلاف من الدخول إليها للبدء باستعدادات الجنازة. في غضون ذلك، صدق رئيس المجلس العسكري، القائد العام للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي، على إعلان حالة الحداد العام في أنحاء الجمهورية اليوم، ووافق على توفير طائرة عسكرية لنقل الجثمان من القاهرة إلى وادي النطرون.
ومن المتوقع أن تشارك شخصيات عامة مصرية وعربية وعالمية في جنازة البابا، إضافة الى أعضاء من المجلس العسكري، ورئيس الحكومة والوزراء، ووفد من البرلمان، وشيخ الأزهر، والمفتي ومرشد الإخوان وعدد من المرشحين المحتملين للرئاسة، إلى جانب قيادات الطوائف المسيحية في الداخل والخارج والسفراء والقناصل الأجانب، وآلاف الأقباط الذين يتوافدون على المقر البابوي في منطقة العباسية شرق القاهرة منذ إعلان خبر الوفاة، مساء السبت الماضي.
ومن أجل مراسم التشييع، عقد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم اجتماعاً موسعاً بكبار مساعديه، حيث وضعوا خطة تأمين مشددة للكاتدرائية أثناء أداء القداس الجنائزي، وتكثيف الوجود الأمني في المنطقة، وتأمين الدير الذي سيدفن فيه البابا في وادي النطرون. وقالت الوزارة إنها «اتخذت جميع التدابير والاستعدادات اللازمة لتسهيل إجراءات وصول الشخصيات العامة ورجال الدين والوفود الرسمية التي ستشارك في مراسم الجنازة».
إلى ذلك، أعلن مسؤولون في التلفزيون المصري أنهم سينقلون مراسم جنازة البابا على الهواء مباشرة. وحسب موقع «الأهرام» الإلكتروني، فإن «قنوات التلفزيون المصري ستنقل الأحداث من حين خروج الجثمان من الكاتدرائية في العباسية حتى وصوله إلى دير الأنبا بشوي في وادي النطرون».