بدت إسرائيل، أمس، كمَن يحتفل بعودة الهدوء إلى مستوطناتها الجنوبية، ما سمح بإطلاق سراح نحو مليون إسرائيلي كانوا على مدى الأيام الأربعة الأخيرة رهائن صواريخ المقاومة الفلسطينية التي حبستهم في الملاجئ. كل ذلك رغم اعتراف دولة الاحتلال بأن التهدئة التي اتُّفق عليها مع فصائل المقاومة بوساطة مصرية، تبقى «تهدئة هشة».
ووسط الحسابات الباردة التي بدأ مسؤولون ومعلقون في الدولة العبرية يجرونها حول نتائج جولة القتال بالنسبة إلى كلا الطرفين، شكّل سقوط 14 صاروخاً فلسطينياً على إسرائيل منذ دخول التهدئة حيّز التنفيذ، في مقابل غارة شنتها مقاتلات الاحتلال على قطاع غزة، تعبيراً مباشراً عن هشاشتها، الأمر الذي دفع بالجيش إلى إبقاء الانتشار الاحترازي لمنظومة «القبة الفولاذية» عند مشارف مناطق أشدود وعسقلان وبئر السبع خلال الأيام المقبلة، فيما استشهد فتى فلسطيني متأثراً بجراح أصيب بها خلال العدوان الأخيرة.
وجاء التشكيك الأكثر دلالة على هشاشة التهدئة على لسان قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، طال روسو، الذي قال إنه لا يعلم كم من الوقت ستستمر التهدئة، مشيراً إلى وجود «عناصر متمردة» في غزة لا تقبل بالتزامها. ورأى روسو، خلال زيارة لمنطقة المواجهة القريبة من قطاع غزة، أن «من يعتقد أن هناك قابساً (كهربائياً) يغلق ويفتح النار من غزة، فإن الأمر ليس كذلك. لا يوجد حل سحري، وقد تكون هناك أوضاع نضطر فيها إلى عملية أكبر؛ إذ لا توجد جهة واحدة تسيطر على القطاع وتعطي الأوامر بوقف النار».
وعلّق روسو على الانتقادات التي اعتبرت أن ردّ جيشه في القطاع كان «رخواً» بالقول: «نجري حسابات، وليس دائماً نحصل على النتيجة المتوقعة عندما نضرب بشدة أكبر، كذلك إن جولة إضافية لن تجلب حلاً كاملاً، وكل شيء مفتوح من ناحيتنا». وواصل الجنرال الإسرائيلي ما بدا أنه خفض لسقف التوقعات مما يمكن جيشه إنجازه في غزة، فأوضح أن «هدفنا كان إحباط عملية ضد مدنيين، وأنا لا أنظر إلى الجولة كنجاح أو نصر، بل من زاوية أنها أعطت جواباً لنقطة الانطلاق، ونحن لا نسيطر على كل مخرِّب أو منظمة تطلق النار في غزة». بدوره، أشار رئيس أركان جيش الاحتلال، بينى غانتس، إلى أن رد قوات الجيش في ما يتعلق بالتصعيد الأخير للأحداث في القطاع المحاصَر، «جاء ملائماً». ونقلت صحيفة «جيروزالم بوست» عن غانتس قوله: «لقد تعرضنا لانتقادات حادة عقب حادث اغتيال زعيم المقاومة الشعبية زهير القيسي، لكننا تعاملنا مع الأحداث بما هو مناسب خلال الأيام الأخيرة، وسنستمر على النهج نفسه في المستقبل».
وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحاق أهرنوفيتش، قد وجه انتقاداً شديد اللهجة إلى جولة القتال الأخيرة التي شهدتها غزة، ووصفها بـ«الفاشلة والطويلة أكثر من اللازم». وصرّح الوزير لموقع «عنيان مركزي» الإسرائيلي، ما مفاده أنه «سيمر وقت طويل حتى نفهم مغزى هذه الجولة الغريبة، مليون إسرائيلي حبيسو بيوتهم، والأعمال مشلولة، ومئات آلاف الطلبة والتلاميذ لم يذهبوا إلى مدارسهم، إضافة إلى الخوف والصدمة وملايين الشواكل التي أُهدرت عبر إطلاق صواريخ القبة الحديدية مقابل لا شيء على الطرف الآخر». ورأى الوزير، العضو في حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، أن الجيش «ظهر مشلولاً من الناحية الهجومية من دون أن ينفذ أي هجمة حقيقية، ولم يحسِّن مواقعه ولم يستغل فرصة تصفية مخازن الذخيرة ولم يعتقل أي مشبوه، لم يحقق شيئاً. إنه الشلل التام». وفي وصفه لنتائج الجولة القتالية الأخيرة من وجهة نظر تل أبيب، لفت الوزير إلى أنه لا «يوجد تفاهمات مفادها لا تطلقوا النار ونحن لن نطلقه أيضاً، لقد كانت هذه الجولة طويلة أكثر من اللازم، وكنا بحاجة إلى تشديد ردنا، وعلينا استخلاص العبر حتى يكون رد فعلنا في الجولة المقبلة أكثر إيلاماً وقسوة».
في المقابل، رأى عضو الكنيست عن حزب «كديما» المعارض، يسرائيل حاسون، أن الردع الإسرائيلي لوقف عمليات إطلاق القذائف الصاروخية من غزة لا يكفي. وشدد على أن الحاجة تستدعي نقل الرسالة المطلوبة إلى إيران وحزب الله، ومغزاها أن إسرائيل «لن تتسامح مطلقاً مع أي اعتداء على سيادتها».
وتوقفت تحليلات إسرائيلية عند جدوى جولة القتال من الناحية الردعية، وعلى مستوى ما تحقق من نتائج على المدى الأبعد. وفي السياق، رأت صحيفة «هآرتس» أن «السطر الأخير، كالعادة، يختلف قليلاً عما يرويه الزعماء لأنفسهم ولمواطنيهم». وتساءلت عما إذا كانت الحكومة «ستصدّق بسهولة على عملية اغتيال مشابهة (لاغتيال زهير القيسي) في المرة المقبلة، وهي تعلم أن الثمن سيكون مئات الصواريخ باتجاه الجبهة الداخلية وشل حياة ما يقارب مليون مواطن ممن سيضطرون إلى المكوث في الملاجئ».
وبشأن التهليل الإسرائيلي لـ«نجاح القبة الحديدية» في الجولة الأخيرة من العدوان، علّقت الصحيفة بالقول إن «الرد الذي تمنحه القبة كافٍ لمواجهة تحدٍّ محدود نسبياً من جهة غزة، لكن عندما ندخل إلى معادلة مستقبلية، فإن حزب الله أيضاً سيتصدّى للمواجهة بصواريخه الخمسين ألفاً». وخلصت إلى أنه «حينها، سندرك أن أربع بطاريات قبة حديدية هي ردّ جزئي على خطورة التهديد، إذ إنه من الناحية الفعلية، قفزت قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ عدة درجات، منذ حرب لبنان الثانية (2006)، والرد الذي يتعين على الجيش الإسرائيلي توفيره ضد هذا التهديد، إذا تحقق، سيبقى بمعظمه في المجال الهجومي». من جهته، انتقد بن كسبيت في «معاريف»، الوضع القائم على الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، حيث يعيش «مليون نسمة في ظل صافرات الإنذار ولا يمكنهم أن يخططوا عرساً أو إجازة ويُعتبرون رهائن لمزاج عصابات الإرهاب المسلحة».