وسط الإجماع الإسرائيلي على التهليل لـ«إنجازات» منظومة «القبة الفولاذية» التي تمكّنت، بحسب إحصاءات جيش الاحتلال، من اعتراض الجزء الأكبر من صواريخ المقاومة الفلسطينية، توزعت التعليقات الصحافية العبرية حول المواجهة القائمة على جبهة قطاع غزة، بين اتجاهات عدة؛ البعض ركّز على جدوى عمليات التصفية الوقائية التي ينفذها الجيش، والبعض الآخر انتقد جدواها، فيما ذهب معلقون نحو الإضاءة على «الورطة» التي تعانيها حركة «حماس» من جراء اضطرارها إلى إمساك العصا من طرفيها في ظرف كهذا. حتى إن فئة أخرى من المراقبين قاربوا ما يحصل من زاوية الموقع الجديد لمصر، وانعكاسه على العلاقة معها. وتحت عنوان «التصفيات لم تعد ناجعة»، رأى روني شاكيد في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن عمليات الاغتيال لم تعد تمثّل اليوم ضرراً على القدرة التنفيذية للمنظمات الفلسطينية في غزة، ولا على كفاءتها أو دوافعها، وذلك في ضوء تطورها التنظيمي وتحولها إلى أطر شبه نظامية. وتابع شاكيد «بل على العكس، فهم يردون على التصفيات بنيران صاروخية كثيفة ولديهم قدر أكبر من الصواريخ بمواصفات صناعية يقترب مداها من ضواحي تل أبيب». وعلى أساس أنه «لا يُحتمل أن تشل المنظمات العاملة تحت رعاية حماس (في غزة) الحياة الطبيعية لنحو مليون من سكان إسرائيل»، أشار الكاتب إلى أن تل أبيب ملزمة بأن «تجد السبيل للتواصل مع المسؤولين في القطاع، وفي هذه اللحظة هؤلاء هم حماس التي يجب التوصل معها إلى حوار هادف بهدف تحقيق تهدئة طويلة المدى». إلا أن بن كسبيت في «معاريف» أثنى على «تغيير القرص» الذي قامت به المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، عبر العودة إلى سياسة الهجمات الوقائية وعدم الخشية من تداعياتها الإقليمية. ورأى كسبيت أن «إسرائيل ملّت من تأدية دور البط في ساحة الرماية، وقرّرت أخذ المبادرة رغم اشتعال الجبهة». ولفت إلى ضرورة «التهليل لهذا التوجه المتجدد، فالإرهاب في غزة حي وموجود ويرفس، وهو يزداد قوة وتنظيماً ويراكم الوسائل ويجمع المعلومات، وكل عدة أشهر يتحول النصف الجنوبي من إسرائيل إلى رهينة وينزل إلى الملاجئ». وإذ انتقد الكاتب عدم استكمال المهمة في «عملية الرصاص المصهور» قبل ثلاثة أعوام، فقد استدرك بـ«إننا نأكل اليوم الثمار العفنة لذلك اليوم، وسنواصل أكلها إلى أن نفهم أن أحداً لن ينظف غزة من أجلنا وأن الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة».
من جهة ثانية، رأى عميت كوهين في «معاريف» أيضاً أن «حماس» تجد نفسها «خلال نصف عام في زاوية غير مريحة: في ذروة جولة تصعيد، مع قدرة تأثير قليلة على الأحداث». وشرح الكاتب «ورطة حماس» التي «حاولت هذه المرة أيضاً إمساك العصا من طرفيها: استخدام الخطاب المتشدد الذي يضعها إلى جانب منظمات الإرهاب من دون أن ينضم رجالها إلى دائرة القتال». وعرض الكاتب عدة تصريحات لمسؤولين في الحركة تظهر «اللغة الغامضة والملتبسة» التي تعتمدها الحركة في مقاربة المواجهة القائمة كما تظهر «الحيادية التي تثير الانتقاد حتى بين صفوفها».
بدوره، لاحظ أليكس فيشمان في «يديعوت» أن «إسرائيل تضع حكومة حماس أمام معضلة حقيقية: في وقتٍ تسعى فيه الحركة إلى أن تكون الجهة السياسية البراغماتية في نظر العالم، هل ستكون لها القوة والرغبة للجم نار الجهاد الإسلامي التي تهدد هيمنتها في قطاع غزة؟». وأوضح فيشمان أن «القرار في إسرائيل هو عدم التساهل مع حماس في ضوء هذه المعضلة، بل مواصلة الضغط إلى أن تتوقف النار». وتوقف كل من محلل الشؤون العسكرية ومحلل الشؤون الفلسطينية في «هآرتس»، عاموس هارئيل وآفي يسسخاروف، عند النقطة نفسها. ورأيا أن «حماس تواجه في الشهور الأخيرة معارضة متصاعدة تتمثل في حركة الجهاد الإسلامي التي كانت في الماضي حليفة لحماس ضد السلطة الفلسطينية وأصبحت الآن التحدي الأكبر لقدرة حماس لبسط هيمنتها على القطاع». وإذ أكدا أن الحركة «ليست معنية بالتصعيد الحالي»، وأن هذا كان السبب وراء طلب الحركة الإسلامية من القيادة المصرية التدخل لوقف التصعيد، فقد أشارا إلى «الحذر الكبير» الذي تبديه تل أبيب حيال مصر «ما بعد سقوط نظام حسني مبارك» في تحركها العسكري على جبهة القطاع. وخلصا إلى أن «إدخال مصر في المعادلة يقيّد حرية المناورة الإسرائيلية كثيراً، إذ لم يعد بإمكان الجيش تنفيذ عمليات اغتيال داخل الأراضي المصرية».
لكن المحلل العسكري في «معاريف»، اللواء في الاحتياط يسرائيل زيف، رأى أن التعامل مع مصر من خلال التصعيد الحالي مختلف عمّا يصفه هارئيل ويسسخاروف، لأن «القصة الحقيقية من وراء تبادل الضربات في نهاية الأسبوع الماضي ليست اغتيال هذا المسؤول أو ذاك، بل قدرة إسرائيل على العمل في غزة بهدف الردع والمس بالمنظمات الإرهابية منذ سقوط حسني مبارك».