الخرطوم | تحالفت المعارضة السودانية ضد مشروع الدستور الإسلامي، فخرج المؤتمر الوطني الحاكم عن دائرة الوسطية التي لطالما تمسّك بها. ووجّه نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني، انتقادات حادة إلى من يعارضون الدستور الإسلامي، قائلاً «الذين يتحدثون عن الدستور ويريدونه علمانياً، يستهدفون الشريعة، لكنهم لا يستطيعون قول ذلك على نحو صريح». وناشد نافع التيارات الإسلامية السودانية التصدي لهذا «التطاول والانتفاشة الباطلة وتنفيسها». كما أكد أن مشروع حكومته هو تطبيق الشريعة الإسلامية «التي لن نبيعها من أجل كسب رضى سياسي». وكانت مجموعة من الأحزاب والتنظيمات السياسية، التي يغلب عليها التوجه الإسلامي، قد أعلنت نهاية الشهر الماضي إنشاء ائتلاف يحمل اسم «جبهة الدستور الإسلامي». ويهدف التحالف إلى سن «دستور إسلامي» بديل عن الدستور الحالي الذي يحكم البلاد منذ كانون الثاني 2005. ومن أبرز القوى السياسية المنضوية في تحالف «الدستور الإسلامي» حركة «الإخوان المسلمين» وجماعة «أنصار السنّة المحمدية» و«منبر السلام العادل».
من جهته، سنّ تحالف أحزاب المعارضة العلمانية حملات تعبئة واسعة ضد مشروع الدستور الإسلامي. وأعلن التحالف أنه يعتزم «مقاومة قوى الاستبداد والتعسف والظلم الاجتماعي»، واصفاً تحالف الأحزاب المؤيدة لجبهة الدستور الإسلامي بأنه لا يعدو أن يكون «اصطفافاً لمجموعة من الطغاة والفاسدين والمهووسين وراء واجهة ما يُسمى الدستور الإسلامي».
ودان التحالف العلماني مسعى جبهة الدستور الإسلامي الهادف لـ «الضغط على الحكومة من أجل فرض دستور إسلامي»، وذلك بعدما هددت تنظيمات وشخصيات إسلامية عدة الحكومة السودانية من مغبة «أيّ تراخ عن تطبيق الشريعة». وقال رئيس جبهة الدستور الإسلامي، صادق عبد الله عبد الماجد، «إن كلمتنا ستكون قوية في مواجهة الحكومة، إذا تباطأت في تطبيق حكم الله».
وفي صفوف المعارضة العلمانية، تعد الحركة الشعبية لتحرير السودان ـــــ قطاع الشمال من أبرز القوى السياسية التي تدافع عن مشروع الدولة المدنية. وهي تتحالف مع الحزب الشيوعي السوداني، الذي يتبنى الرؤى ذاتها في برنامجه السياسي. ويقف إلى جانبهما أيضاً عدد من الأحزاب اليسارية الصغيرة. إلا أن التطورات الأخيرة، التي دفعت بالحركة الشعبية إلى رفع السلاح ضد الحكومة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، جعلتها خارج حلبة الصراع السياسي السلمي الدائر بين جبهة الدستور الإسلامي والمعسكر العلماني المعارض لها. وبالرغم من أن التحالف العلماني نأى بنفسه عن العمل المسلح، إلّا أن المؤتمر الوطني الحاكم اتهم المعارضة العلمانية الرافضة لمشروع الدستور الإسلامي بالانسياق وراء الحركة الشعبية لتحرير السودان. وقال نافع علي نافع «إن الحركة الشعبية تمثل قاطرة المعارضة العلمانية»، في محاولة منه للخلط بين القواسم المشتركة بين تحالف المعارضة العلمانية والجبهة الشعبية في ما يتعلق بالدفاع عن قيم الدولة المدنية، وبين مسألة العنف السياسي والعمل المسلح.
وفي خضم هذه المواجهة السياسية المحتدمة بين المعارضة العلمانية وجبهة الدستور الإسلامي، أقدم المؤتمر الشعبي المعارض، بزعامة حسن الترابي، الغريم اللدود للحزب الحاكم، على خطوة مفاجئة تمثلت في التراجع عن دعمه لجبهة الدستور الإسلامي، بعدما كان قد وقع بالأحرف الأولى مشروع الدستور الجديد. وهي خطوة حركت الراكد في الخلافات التقليدية بين الأفرقاء السياسيين السودانيين، وأدت إلى مزيد من التشدد في مواقف المؤتمر الوطني الحاكم بخصوص هوية الدستور الجديد.
أما حزب الأمة المعارض، بزعامة الصادق المهدى، فقد نأى بنفسه عن حلبة الملاسنات بين مؤيدي الدستور الإسلامي ومعارضيه. واكتفى بالموقف المبدئي المتمثل في التمسك ببرنامجه السياسي المنادي بالدولة المدنية.