لا ينكر الشبّان الذين قابلتهم في مخيم شاتيلا أنهم لم يسمعوا حتى بقرار الوزير السابق شربل نحاس. يقول الشاب الثلاثيني «لم أكن أنتظر أصلاً قراراتٍ كهذه، صحيح أنني أعمل في إحدى المؤسسات الاجتماعية بطريقة غير رسمية، إلا أنني أتقاضى راتبي كل آخر شهر، وبصراحة هذا ما يهمني لأُعيل أسرتي!». أما الشاب العشريني فيرى في إلغاء القرار أمراً يدعو إلى الإحباط، «إذ إن الأمور تمشي بعكس التيار في لبنان، وبدلاً من تحسين أوضاعنا كما في البلدان المجاورة، ترى الجميع هنا يحطم من عزمنا ويهمشنا أكثر».
القرار الملغى صاحب الرقم 26، والذي أصدره نحاس، يقضي بإمكان حصول الفلسطينيين على إجازة عمل من دون عقد عمل، ولمدّة 3 سنوات، على أن يستثنى اللاجئون الفلسطينيون من القرارات الخاصة بالمهن المحصورة باللبنانيين وتطبق عليهم القوانين والأنظمة الخاصة بكل مهنة. أتى القرار، وألغي القرار، ومرّ على الفلسطينيين مرور الكرام! فكلما توجهت إلى أحدٍ في المخيم لتسأله عن رأيه تراه لم يسمع به – وقد يكون لم يسمع أصلاً بالوزير الثوري – وإن أخبرته أن القرار قد صدر وألغي، فإنك حتى لا ترى علامات الاستغراب على وجهه!
من هنا، لا يمكنك إلا الجزم بشيئين لا ثالث لهما، أولاً أنه رغم توالي الحكومات على مختلف أشكالها وألوانها، يبقى وضع الفلسطينيين على حاله بسبب حجة التوطين. ثانياً، أنه حتى لو أقدم أحد المسؤولين على إقرار مشروع أو إصدار قرار لتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يبقى الإحباط المتفشي في أوساط الشباب الفلسطيني على حاله بسبب التخوف من إلغاء قرار كهذا! لا يدرك المعنيون في الحكومات المتتابعة أهمية الاستفادة من الطاقة البشرية الفلسطينية في تحسين سير عجلة الاقتصاد في هذا البلد القائم على «عدم انتظام» قطاع العمل، إذ إنه بحصول هؤلاء على إجازات عمل، فإن شرعنة عملهم ستؤدي إلى التنظيم لا إلى التوطين كما صرّح به الوزير الأسبق بطرس حرب وغيره من الوزراء المتعاقبين على كرسي وزارة العمل.
على مقلب آخر، وبعد مرور أكثر من سنة على مسيرة «إعطاء الحقوق المدنية والحق بالعمل والتملّك للشعب الفلسطيني» التي تبنتها العشرات من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني، والتي شارك فيها الآلاف بنزولهم إلى الشارع وصولاً إلى رئاسة مجلس النوّاب مقدمين طلب تعديل القوانين المُعطلة لحقوق الشعب الفلسطيني، لم نر أياً من تلك المؤسسات الأهلية تدعم قرار الوزير نحاس عند صدوره، ولا تشجب إلغاءه عند إلغائه، مع العلم أن قرار نحاس يمثل أولاً ثمرة جهودها وثمن عرق آلاف الفلسطينيين الذين نزلوا إلى الشارع في ذلك اليوم مطالبين بصدور هذا القرار بالذات!