الاستناد القانوني للسيسي يوحي بدور «وهمي» للبرلمان


كما كان متوقعا، أطاح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رئيس أكبر جهاز رقابي، المستشار هشام جنينه، من منصبه، مستغلاً السلطة التي منحه إياها القانون مع أنه هو نفسه الذي أقره في تموز الماضي، ويقضي بعزل رؤساء الجهات الرقابية «وفق ضوابط محددة»، وكل ذلك على خلفية تصريحات جنينة بأن «تكلفة الفساد في مصر تصل إلى 600 مليار جنيه».
لم تكن إطاحة جنينه من منصبه مفاجأة للجميع (راجع العدد ٢٧٨٦ في ١٣ كانون الثاني)، فالخبر متوقع منذ إقرار القانون لكونه جاء تفصيلاً على حالة المستشار الذي يعد آخر مسؤول عينه الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي. وبرغم أن موعد مغادرة الرجل منصبه هو أيلول المقبل (عين عام 2012 لولاية أربع سنوات)، فإن السيسي سارع الى عزله قبل أقل من ستة شهور على تقاعده.
مهد الرئيس للقرار بالأساليب القانونية والدستورية، فبرغم شبهة «عدم الدستورية» التي تطاول قانون عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، لكن «عدم الطعن» به حتى الآن أمام المحكمة الدستورية، بل موافقة مجلس النواب على تمرير القانون في كانون الثاني الماضي، أعطى الصبغة الشرعية لإطاحة رئيس «الجهاز المركزي للمحاسبات»، باعتباره من الشخصيات المحسوبة على الأصوات المعارضة للنظام، وهو الآن يواجه اتهامات بالانتماء إلى «جماعة الإخوان المسلمين»، مع أنه نفى ذلك في أكثر من مناسبة.
يمتلك جنينة وحده حتى الآن صلاحية الطعن بدستورية القانون إذا طعن بقرار عزله الصادر من رئيس الجمهورية باعتباره قرارا إداريا. ويمكن في هذه الحالة إحالة القانون على المحكمة الدستورية للفصل فيه، لكن لا يتوقع أن يُفصل في القضية قريباً وخاصة أن هذه القضايا تستغرق سنوات أمام «الدستورية العليا»، التي يترأسها في الوقت الحالي المستشار عدلي منصور، الذي كان رئيس الجمهورية السابق.
يمتلك جنينه وحده، حتى الآن، صلاحية الطعن بدستورية القانون

وكان السيسي قد وضع قبل نحو أربعة أشهر مساعد وزير العدل لشؤون مكافحة الفساد، المستشار هشام بدوي، نائباً لجنينه، بقرار جمهوري شمل أيضا تعيين منى توحيد (مسؤولة في الجهاز) في منصب النائب، وذلك لمساعدة بدوي، الذي جاء وافداً على الجهاز ودون علم رئيسه، كما لم يحدث بين الاثنين «تجانس في العمل»، وخاصة أن التوقعات منذ دخول بدوي مقر الجهاز أنه سيكون خليفة الرئيس في أي لحظة، وهو ما انعكس على وضع بدوي ضمن لجنة التحقيق التي ألّفها السيسي لمراجعة تصريحات جنينة عن الفساد.
بالتأكيد أخطأ جنينه في وضع رقم غير دقيق للفساد، فالمدة التي شملتها الدراسة حول «تكلفة الفساد» تمتد على مدار عشرات السنين، وخاصة أن الرقم الإجمالي أُعد وفق دراسة نفذت بتمويل من منحة أوروبية وقالت إن «عدم استثمار بعض الأراضي وعدم تحصيل أموال المخلفات، فساد»، وهي أمور لم يوضحها المستشار المعزول في تصريحاته.
المثير للاستغراب في توقيت عزل رئيس «المركزي للمحاسبات» هو أنه يأتي بعد أيام قليلة من إقامة جنينة دعوى قضائية ضد الصحيفة التي نشرت تصريحاته عن الفساد، فيما صدر القرار بعد ساعات قليلة من بيان لنيابة أمن الدولة العليا، الجهة التي أُسند إليها التحقيق، هاجم جنينه وقال إن الجهاز «غير معني بتحديد الفساد»، وإن تصريحات رئيسه «غير منضبطة»، علماً بأن جنينة التزم الصمت منذ صدور قرار النائب العام بحظر النشر في وقائع الفساد التي ذكرها سلفاً.
لكن مقربين من السيسي يفسرون توقيت العزل بأنه جاء بعد إقالة المستشار أحمد الزند (وزير العدل السابق)، صاحب الخصومة المعلنة مع جنينة، منذ سنوات، وحتى لا يفسر القرار إذا اتخذ قبل ذلك بأنه جرى بواعز من الزند، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين القضاة، وهو التصريح الذي يعكس غياب رؤية قانونية ودستورية لعزل جنينة، وخاصة أن قرار العزل الصادر من السيسي مساء أول من أمس لم يوضح الأسباب التي استند إليها.
كذلك، فإن «الجنرال»، الذي نفى في تصريحات سابقة أن يكون قانون عزل رؤساء الأجهزة الرقابية قد أقر من أجل شخص محدد، استخدمه بالفعل في حالة جنينة كأول تطبيق له، علماً بأن المستشار هشام بدوي الذي أسندت إليه مهمة إدارة الجهاز، من الشخصيات التي تحيط بها شبهات فساد، وهو محسوب على النظام السابق، كما طلب منه التحقيق في عدد من قضايا «الإخوان المسلمين».
وبرغم إعلان البرلمان تأليف لجنة للتحقيق مع جنينة، فإن النواب لم يؤلّفوا اللجنة بعد، ما يعيد حقيقة الحديث عن الدور الوهمي للبرلمان في هذا الوقت، وخاصة أن قانونيين يرون ضرورة عدم عرض قرار العزل على المجلس برغم عدم نص القانون صراحة على ذلك، استناداً إلى الصلاحيات التي وضعها الدستور لمجلس النواب، وخاصة أن يكون شريكاً بالموافقة في اختيار من يتولى منصب رئيس الجهاز، ومن ثم يكون من حق النواب مراجعة الرئيس في قرار الإقالة.