في 2014، وصلت نسبة الموافقة الشعبية على دستور مصر الجديد إلى 98.1%، لكن حتى الآن لا تزال بنود كثيرة منه مجرد حبر على ورق، بسبب غياب التزام الحكومة نصوصاً عدة، بل حاولت الالتفاف عليها، كإجراء تعديلات وزارية من دون الرجوع إلى البرلمان. فالحكومة، برغم انعقاد البرلمان منذ أكثر من شهرين، لم تحظ بثقته حتى الآن، وفي ظل هذه المخالفة القانونية الفاضحة، تبرز مخالفات أخرى أعظم، وهو ما برر ارتفاع الأصوات المطالبة بتعديل الدستور، ليس لجهة المطالبة بعودة المدد المفتوحة للرئاسة، ولكن للتخلص من الأعباء الاجتماعية والالتزامات التي وضعها الدستور وألزم الحكومات المتعاقبة بتطبيقها!
أبرز هذه المخالفات عودة انعقاد «اللجنة العليا للانتخابات» لإجراء انتخابات على مقعد النائب توفيق عكاشة، الذي أطاحه مجلس النواب بعد لقائه السفير الإسرائيلي، مع أنه يفترض باللجنة أن تكون أعمالها قد انتهت، لأن أي انتخابات جديدة من اختصاص «الهيئة الوطنية للانتخابات»، التي أسند إليها الدستور إجراء الانتخابات، ويتكون مجلسها من عشرة مستشارين قضائيين ينتدبهم رئيس الجمهورية لمدة دورة واحدة مدتها ست سنوات.
تكمن خطورة عدم إقرار قانون الهيئة بأن البلاد ستكون معرضة لفراغ دستوري في حال وجود مانع عاق الرئيسَ عن ممارسة عمله. فبرغم أن الدستور أقرّ بتولي رئيس البرلمان منصب الرئاسة مؤقتاً، فإن الجهة التي ستدعو الناخبين ليست موجودة، وسيكون على البرلمان إقرار قانون الهيئة ووضع اللائحة الخاصة بها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التالية.
قضية أخرى، فإنه مع التزام الحكومة إلغاء منصب وزير الإعلام التزاماً بالدستور، فإن «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، الذي نصت المواد 211 و212 على تشكيله، لم يبصر النور حتى الآن. ومن المفترض أن يكون المجلس هيئة مستقلة مسؤولة عن حماية حرية الصحافة والإعلام ويضمن حياديتها والتزامها الأداء المهني.

قانون الكنائس والعدالة الانتقالية

في شأن آخر، تقول النائبة عن «ائتلاف دعم مصر»، اليزابيث عبد المسيح، إن مجلس النواب، والتزاماً بالمادة 235 التي تنص على إقرار قانون ينظم بناء وترميم الكنائس، وكان قد عرض على البابا تواضروس ورئيس الطائفة الإنجيلية قبل مناقشته في البرلمان، ستجري «مناقشته بين النواب قبل طرحه في المجلس حتى يخرج بصورة تمكن الأقباط من ممارسة شعائرهم في الكنائس وتجهيزها». وتضيف لـ«الأخبار» أن مشروع قانون دور العبادة الموحدة لم يعد مطروحاً للنقاش، لأن ما ينطبق على المساجد لا يمكن تطبيقه على الكنائس، والعكس صحيح، لذلك سيجري «إقرار قانون بناء الكنائس وترميمها، ومراجعة كل طائفة في بنوده لمعرفة تحفظاتها عليه».
قوانين الكنائس والعدالة الانتقالية والانتخابات والموازنة... عالقة

في الوقت نفسه، لم يسعَ مجلس النواب حتى الآن إلى تطبيق المادة 241 التي تلزمه إصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر للمصالحة الوطنية وتعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية. ويتوقع أن يكون القانون، الذي ألزم الدستور المجلس إقراره في أول دورة انعقاد له، أي قبل 30 حزيران المقبل، من أكثر القوانين المثيرة للجدل.
وسط ذلك، يرى النائب فؤاد بدراوي أن «المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين مرفوضة كلياً، وبالتأكيد لم يقصدها الدستور... الجماعة صنفت إرهابية». وأضاف بدراوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المجلس ملتزم إقرار جميع القوانين التي نص عليها الدستور، لكنه بانتظار الصيغ التي وضعتها الحكومة لمناقشتها». واستدرك: «قانون العدالة الانتقالية سيحظى بمناقشة واسعة من النواب، خصوصاً ما يتعلق بتصنيف الضحايا، وطريقة تحديدهم، لأنّ من غير المقبول وضع الإرهابيين كضحايا ومعاملتهم مثل الشهداء من المواطنين أو رجال الجيش والشرطة».

الانتخابات المحلية

حتى الآن، لم يحدد موعد لإجراء انتخابات المجالس المحلية التي ستراقب أداء المحافظين في المدن، بسبب عدم إقرار القوانين الناظمة لها. كذلك، تجاهلت الحكومة إعداد مشاريع قوانين لإجراء هذه الانتخابات برغم الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها. وعزز الدستور اللامركزية في اتخاذ القرار والمحاسبة، فيما فرض القانون ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين في هذه المجالس عن 50%، بالإضافة إلى تمثيل عادل للأقباط وذوي الإعاقة. ولا يمكن إجراء الانتخابات المحلية دون إقرار القوانين الخاصة بها، فضلاً عن «الهيئة الوطنية للانتخابات».
ووفق تصريح سابق لوزير التنمية المحلية أحمد زكي بدر، فإن «الحكومة ليست جاهزة لإجراء انتخابات المحليات قبل عام من الآن، بعد الانتهاء من إقرار القوانين المنظمة للمجالس المحلية». لكن بدر قال إن «إجراء انتخابات المحليات للمرة الأولى منذ ثورة 25 يناير سيخفف الضغوط على نواب البرلمان».

الموازنة... أول اختبار

الموازنة المالية للعامين 2016 ــ 2017، أول اختبار حقيقي للبرلمان تجاه الدستور، فقد ألزم الدستور الحكومة تخصيص نسب محددة من الناتج القومي في أوجه إنفاق محددة، مثل 3% من الناتج القومي للصحة، و4% للتعليم، و2% للتعليم العالي، بالإضافة إلى 1% للبحث العلمي. وألزم الدستور، أيضاً، الحكومات، بزيادة نسب المخصصات في هذه المجالات حتى تصل إلى معدلات الإنفاق العالمية، فيما تعاني هذه المنظومات تدهوراً شديداً في السنوات الماضية نتيجة نقص المخصصات المالية.
ويطالب الأطباء، في هذا الإطار، بزيادة المخصصات المالية للمستشفيات العامة حتى يتمكنوا من تقديم الخدمة المجانية إلى المرضى والمصابين. وكلها نسب قالت حكومة شريف إسماعيل في وقت سابق، إنها «لن تستطيع التزامها في الموازنة الجديدة بسبب العجز الشديد» الذي يواجهها في توفير أوجه الإنفاق.
ولا يوجد لدى الحكومة حتى الآن أي تصور عن إمكانية تطبيق الالتزامات الدستورية قريباً، علماً بأن لجنة كتابة الدستور وضعت في مضابطها أن سبب إرجاء تنفيذ هذه الالتزامات حتى الموازنة المقبلة مراعاة المرحلة الانتقالية التي كتب فيها الدستور، حينما كان المستشار عدلي منصور (رئيس المحكمة الدستورية) يتولى منصب رئيس الجمهورية مؤقتاً، دون انتخابات، بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.