القاهرة | «رجعوا التلامذة»، كما حيّاهم الشيخ إمام في نشيده الأشهر في السبعينيات، مجدداً إلى تصدّر مشهد الاستعداد لحدث مصر الجلل في الذكرى الأولى لتنحّي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك يوم 11 شباط، والمتمثل في الإضراب العام من أجل رحيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الحكم. وتوالت بيانات الاتحادات الطلابية، معلنةً الانضمام إلى الإضراب إلى الحدّ الذي يصعب حصره. أما «أساتذة الجامعة فيقتفون أثر الطلاب، كما جرت العادة في تاريخ الجامعات المصرية، وخصوصاً في ما يتعلق بالشأن السياسي، عكس الحال في ما يتعلق بالشأن الجامعي الصرف الذي عادة ما يبادر فيه الأساتذة»، حسبما تقول ليلى سويف، أستاذة الرياضيات في كلية العلوم في جامعة القاهرة والقيادية في حركة 9 مارس/ آذار لاستقلال الجامعة.
وأوضحت سويف لـ«الأخبار» أن حركتها بصدد صياغة بيان يعلن موقفها المؤيّد للإضراب رسمياً، ويحمل تأكيداً لانضمام الأساتذة إلى الطلبة في الإضراب السبت المقبل الذي يصادف اليوم الأول للدراسة بعد انقضاء إجازة نصف العام الدراسي.
وخلال أيام، أعلنت عشرات من اتحادات طلاب الجامعات والكليات الحكومية والخاصة الانضمام إلى الإضراب الذي اكتسبت الدعوة إليه زخماً جديداً بعد مذبحة بور سعيد. ومن بين الاتحادات المشاركة اتحادات طلاب جامعات عين شمس، كفر الشيخ، أسيوط، بني سويف، سوهاج وبور سعيد، إضافة إلى الجامعة الأميركية، الفرنسية، الالمانية، وجامعة مصر الدولية والأكاديمية العربية للعلوم البحرية.
كذلك امتد الأمر الى المدارس الشهيرة، مثل مدارس السعيدية والقسم الثانوي في مدرسة الفرير بباب اللوق وليسيه الهرم و«لامير دو ديو» الفرنسية. واللافت أن نص بيان انضمام مدرسة البنات إلى الإضراب كان محمّلاً بلغة لاذعة ضد المجلس العسكري، ما أحدث مفارقة واضحة مع الطبيعة المخملية للمدرسة العريقة، ما يكشف عن المدى الذي وصل إليه قطار الثورة. وحمّل البيان المجلس مسؤولية سقوط شهداء مباراة بور سعيد، لأنه «استخدم الأساليب نفسها التي كان يستخدمها نظام مبارك لخلق حالة من الذعر تمنع الجماهير من التحرك والثورة على النظام الفاسد الملطخ بدماء شهدائنا».
في المقابل، فإن موقف جماعة الإخوان الرافض للإضراب، والذي ينسحب طبعاً على طلابها، لا يبدو أنه سيقلل كثيراً من زخمه في الجامعات، على عكس قطاعات مهنية كثيرة يهيمن الإخوان على مجالس إدارات نقاباتها. «فالطلاب المنتمون إلى الإخوان في مجلس إدارة اتحاد طلاب جامعات مصر لا يزيد عددهم على خمسة من أصل أربعين طالباً»، كما أكد ممثل اتحاد طلاب جامعة حلوان، أحمد يحيى، لـ«الأخبار».
أما اتحاد طلاب جامعات مصر فيتجه على ما يبدو إلى تبنّي الانضمام إلى الإضراب رسمياً، «فالنقاشات داخله تشير إلى غالبية تقترب من تسعين في المئة مؤيّدة للإضراب العام»، حسبما يضيف يحيى.
وكان الإخوان المسلمون قد أعلنوا أمس، في تصريحات على لسان الأمين العام للجماعة محمود حسين، رفض الإضراب، مقابل دعوة المصريين «إلى مضاعفة العمل والجهد من أجل بناء الدولة وليس هدمها». ورأت الجماعة أن الدعوة إلى الإضراب «في غاية الخطورة على مصلحة الوطن ومستقبله»، وأن «هذا كله من شأنه أن يفاقم الأوضاع السيّئة في البلاد (الاقتصادية والاجتماعية والخدمية)، بما يؤدي إلى تفكيك الدولة وانهيارها». كذلك رأت الجماعة أن «مجلس الشعب (الذي حصل الإخوان على النصيب الأكبر من مقاعده) أولى بمطالب الإضراب» الذي وصفت الدعوة إليه بـ«الهدّامة»، متجاهلةً الدور الذي أدّته الحركات الطلابية في تاريخ مصر.
فالحركة الطلابية المصرية كانت دوماً رافداً رئيسياً للسياسة فيها، حتى إن اثنين من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، يفخران بانتمائهما إلى تلك الحركة العارمة في السبعينيات في مواجهة الرئيس أنور السادات.
أما في الأربعينيات، وفي مواجهة القصر والاحتلال الإنكليزي، فقد نظّم الطلبة مع العمال إضراباً عاماً في 21 شباط من عام 1946 بعد استشهاد عشرات الطلاب غرقاً في النيل، خلال تظاهرات تطالب بجلاء قوات الاحتلال الإنكليزي عن مصر والسودان ووقف المفاوضات، نتيجة فتح السلطات أحد الجسور أثناء مسير التظاهرات إلى قصر عابدين.
وكان الإضراب قد قادته اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، بعد انضمام اللجنة الوطنية العامة لعمال شبرا الخيمة وعمال المطابع ومؤتمر نقابات الشركات والمؤسسات الأهلية واللجنة التحضيرية لمؤتمر نقابات مصر ورابطة العمال المصرية.
وما أشبه اليوم بالبارحة... إلا أن الطلبة ما زالوا ينتظرون العمال هذه المرة. فعلى الرغم من أن الاتحاد العام المستقل للعمال الذي يضم مليوني عامل أعلن على لسان مؤسسه كمال أبو عيطة انضمامه إلى الإضراب، يرجّح الاتحاد العام للعمال الموالي للدولة أن يعلن اليوم رفضه للإضراب. كذلك فإن سلاح الملاحقة بالعقوبات الإدارية مشرع بوضوح من قبل إدارة الشركات الحكومية ضد عمالها حال انضمامهم إلى الدعوة، كما بدا من تصريحات صحافية متواترة، ما قد يشق صف الطبقة العاملة التي كان لها فضل تسديد الضربة القاضية لمبارك قبل تنحّيه بيومين، حين اجتاحت مصر موجة إضرابات عمالية بلا تنسيق. إضرابات لم تشهد لها مصر مثيلاً في تاريخها فور انقضاء الإجازات الإجبارية التي اضطرت الدولة إلى منحها للعاملين خلال أيام الثورة الأولى، لتُجهز الحركة العمالية خلال 48 ساعة على أمل مبارك بالبقاء.