تُوّجت المصالحة الفلسطينية، بتوقيع «اتفاق الدوحة»، أمس، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والذي نص على تولي عباس رئاسة الحكومة التوافقية التي ستؤلَّف في 18 الجاري. لكن ظهرت بوادر انقسام داخل «حماس» بشأن الاتفاق، على خلفية الوضع الدستوري لتولي عباس الحكومة، سرعان ما نفاها المتحدث فوزي برهوم.
رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني هو من قرأ نص الاتفاق، بحيث أعلن أن الطرفين اتفقا على خمس نقاط رئيسية، هي: تأكيد الاستمرار في خطوات تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها، من خلال إعادة تأليف المجلس الوطني بنحو متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وعقد الاجتماع الثاني للجنة تفعيل المنظمة وتطويرها في 18 الجاري بالقاهرة، وتأليف حكومة التوافق الوطني من كفاءات مستقلة برئاسة عباس، مهمتها تسيير الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء بإعمار غزة.
وأكّد الاتفاق استمرار عمل اللجان: لجنة الحريات العامة المكلفة معالجة ملفات المعتقلين والمؤسسات وعودة الكوادر إلى غزّة وجوازات السفر وحرية العمل، ولجنة المصالحة المجتمعية. وفي هذا السياق أبلغ عباس المجتمعين بأنه أُطلق سراح 64 معتقلاً. وأكّد أيضاً ما اتُّفق عليه في القاهرة ببدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
وعقب التوقيع، قال أبو مازن، الذي بات رئيساً لكل المراكز الأساسية في الدولة ومنظمة التحرير: «أحب أن أقول إننا لم نوقّع هذا من أجل التوقيع، ولم نوقّعه من أجل النشر والإعلان، بل نوقعه من أجل التطبيق، سواء في ما يتعلق بالانتخابات والحكومة وقضايا المصالحة الداخلية. نحن نرى أن المصالحة الفلسطينية مصلحة وطنية حيوية فلسطينية وعربية».
بدوره، قال مشعل: «من الدوحة العزيزة نزفّ خبر هذا الإعلان وهذا التوافق الجديد والمجدد لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية، وبعد الجهد المشكور لإخواننا في مصر اليوم برعاية صاحب السمو وبرعاية قطر نحن سعداء بهذا الانجاز، وأشكر الأخ أبو مازن على روحه الطيبة التي لمستها في القاهرة ولمستها هنا في الدوحة. أقول بصدق نحن جادون ومعنا كل القوى والشخصيات، نحن جادون في لأم الجراح وإنهاء صفحة الانقسام وتعزيز وإنجاز المصالحة على الأرض، ليعود الدم موحّداً، والقرار موحّداً على قاعدة الشراكة، ولنتفرغ لمواجهة العدو المحتل».
ورأى أمير قطر أن ما جرى «مسؤولية تاريخية تقع على عاتقهما في توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية في هذه الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة».
ردود الفعل جاءت سريعة على المستوى الداخلي، لكن اللافت كان التباين داخل «حماس»، بحيث طرح البعض علامات استفهام حول دستورية تولي عباس رئاسة الحكومة، وهو ما صدر أيضاً عن شخصيات فتحاوية، لكن داخل «حماس» فُسر على أنه بوادر انقسام،
ورأى القيادي الحمساوي إسماعيل الأشقر أن إعلان الدوحة «مخالف للقانون الأساسي وتجاوز للمجلس التشريعي». وأوضح أن «الكرة في ملعب عباس، وهو مطالب بخطوات عملية ووقف المسح الأمني في الضفة الغربية ووقف المفاوضات العبثية والتنسيق الأمني (مع الجانب الإسرائيلي) والعودة إلى الإطار القيادي لمنظمة التحرير».
بدوره، نفى برهوم، ما أوردته قناة «العربية» عن وجود انقسامات جوهرية داخل الحركة بشأن إعلان الدوحة، بعدما كانت قد أوردت على موقعها الإلكتروني أن «قيادات من «حماس» في غزة هددت بالانقسام الحركي احتجاجاً على توقيع الاتفاقية التي يرأس بموجبها عباس حكومة فلسطينية موحدة»، مع أنه أكد أن «أيّ اتفاق سياسي يجب أن يتلازم مع القانون الأساسي الفلسطيني» الذي يفصل بين منصب رئاسة السلطة والحكومة الفلسطينية.
وفي سياق التشكيك بدستورية تكليف عباس، رأى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، رباح مهنا، أن الاتفاق على تسمية أبو مازن فيه تجاوز للقانون الذي قرره المجلس التشريعي في 2003. وأكّد أنه في ضوء عدم توافق فريقي الانقسام على اسم رئيس الحكومة الانتقالية من دون أي مبرر، فإن تسمية أبو مازن رئيساً لها يجب أن يترافق معه إجراء مشاورات عاجلة لتسمية أعضاء الحكومة حتى تبدأ الأخيرة بسرعة في إنجاز الملفات.
ولمّحت حنان عشراوي، بدورها، إلى الجانب القانوني المتعلق باختيار عباس رئيساً للحكومة، بالقول إنه «يجب تبني الوسائل القانونية بحيث لا تتعارض هذه الخطوة مع القانون الأساسي».
في المقابل، أعرب رئيس الوزراء سلام فياض عن أمله بالتنفيذ السريع لما ورد فيه في الإعلان. ورحب أمناء الفصائل الفلسطينية وعدد من قيادات «فتح»، بالاتفاق، فيما توقع نبيل شعث، دعماً فلسطينياً وعربياً وعالمياً للحكومة الجديدة.
موقف مرحب أيضاً صدر عن حركة الجهاد الإسلامي على لسان المتحدث داوود شهاب، الذي دعا إلى تطبيق «ما اتُّفق عليه في القاهرة، بما فيه إعادة هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها».
وبطبيعة الأحوال تلقت إسرائيل أخبار المصالحة الفلسطينية بغضب، وخيّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عباس بين المصالحة و«طريق السلام مع إسرائيل». وقال خلال اجتماع لوزراء «الليكود»: «إذا طبّق أبو مازن ما وُقِّع اليوم في الدوحة، فإنه يكون قد اختار نبذ درب السلام للانضمام إلى صف حماس». وتوجه إلى الرئيس الفلسطيني بالقول: «إما السلام مع حماس، أو السلام مع إسرائيل، فلا يمكن الحصول على الاثنين معاً». ورأى أن «حماس لم تقبل أدنى الشروط التي حددتها الأسرة الدولية، وليس فقط لا تعترف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة، بل لم تنبذ الإرهاب أيضاً».