تونس | مرت ذكرى الاحتفال بمرور سنة على الثورة التونسية بشكل باهت شعبياً، واضطراب في عمليات التنظيم من الناحية الرسمية، إذ غابت التظاهرات الاحتفالية في مختلف المدن التونسية، وقاطعت مدينة سيدي بوزيد الاحتفالات بعدما رأى سكانها أن يوم فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي لا يعد إلّا خاتمة لمسار ثوري انطلق يوم ١٧ كانون الأول/ ديسمبر. أما في قلب العاصمة، فعمّت الفوضى شارع الحبيب بورقيبة، وهو الذي شهد منذ عام تظاهرة ضخمة أمام مقر وزارة الداخلية أدت لاحقاً إلى انهيار النظام السابق.
الشارع الأشهر في تونس عرف أول من أمس مشاركة ميدانية لمختلف الأحزاب السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ونزل أتباع حزب تحرير الإسلامي بكثافة رافعين ألوية المطالبة بـ«الخلافة الإسلامية» وبـ«دستور إسلامي»، وكان إلى جانبهم مجموعات تتبع اليسار الراديكالي، التي شددت على ضرورة تحقيق جميع أهداف الثورة. كذلك نددت هذه المجموعات بزيارة عدد من الرؤساء والقادة العرب لتونس، وعلى رأسهم أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. وردّد المتظاهرون شعارات «تونس ليست مستعمرة قطرية»، و«أمير قطر ارحل»، احتجاجاً على ما اعتبروه التدخل المبالغ فيه للإمارة الخليجية في الشؤون الداخلية لتونس، ودعمها الإعلامي والمالي والسياسي لحركة النهضة الإسلامية.
أما الاحتفال الرسمي فأقيم في قصر المؤتمرات، بحضور عدد من الشخصيات العربية والأجنبية. وألقى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي كلمة أكد فيها المضي «على درب الحرية، وشعارنا اليوم هو بناء نظام جديد يحقق إرادة الشعب ويحترم القانون ويتواصل مع المسار الديموقراطي من دون رجعة».
من جهته، شدد رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر أن تونس طوت الصفحة الأولى من الاستبداد، وانطلق التونسيون لبناء تونس الجديدة، مشيراً إلى عزم النظام الجديد على الإحاطة بالثورة وحمايتها وتحقيق أهدافها، في حين أكد رئيس الوزراء حمادي الجبالي أن القيادة التونسية موحدة في الخطاب والأهداف.
أما الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فهنأ، في أول زيارة له لتونس منذ الثورة، الشعب «على ما أنجزه بنفسه ولنفسه، بما مكّنه من فتح صفحة جديدة من تاريخه»، فيما أكد رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبد الجليل أن «نجاح الثورة في تونس كان عاملاً أساسياً في نجاح الثورة الليبية».
أما أمير قطر، فحيّا في كلمته «النموذج التونسي الذي أثار العالم»، مشيراً إلى أن «شعوب الأمة العربية المضطهدة ترنو إلى غدٍ أفضل».
وإن كان من حق التونسيين بلا شك الافتخار بكونهم قطعوا شوطاً مهماً في بناء دولتهم الديموقراطية بعد إجراء أول انتخابات شفافة ونزيهة في تاريخهم، وخاصة مع هامش الحريات السياسية التي يتمتعون بها حالياً، إلا أن ذلك لا يمنع من الحديث عن وجود بشائر للارتداد على الثورة، وفقاً لما أكدته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وتحدثت الرابطة عن أن هناك بوادر التفاف «على أهداف الثورة المتمثلة أساساً في الانتقال الفعلي إلى الديموقراطية وإرساء العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات الإعلامية والقضائية والأمنية». واستغرب رئيس الرابطة عبد الستار موسى بوادر الالتفاف على الثورة المتجسدة في «تضييق على الحريات واعتداء على الصحافيين وتنامي مظاهر التطرف والعنف المادي واللفظي».
في هذه الأثناء، أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية توحدها من أجل ما سمّته «تجميع القوى الوسطية المعتدلة». وضم التحالف كلاً من الحزب الديموقراطي التقدمي وحزب آفاق تونس والحزب الجمهوري الجديد، إضافة إلى عدد من المستقلين. ومن المرتقب أن يلتحق بهم حزب العمل التونسي وحركة التجديد، من أجل تأليف قطب سياسي من شأنه مقارعة حركة النهضة الإسلامية التي تحظى بغالبية مقاعد المجلس التأسيسي. ومن شأن هذا التحالف إذا اتّسع أن يكون أبرز منافس للإسلاميين في الانتخابات المقبلة، وخصوصاً أن بوادر انفراط عقد النهضة مع حليفيها العلمانيين، المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديموقراطي، بدأت تطفو على السطح مع تزايد الاتهامات التي توجه للنهضة بممارستها الاستفراد باتخاذ القرارات الحكومية، على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. وفي السياق، شهدت مدينة توزر جنوب تونس، أول من أمس، اشتباكات بين قوات الشرطة ونحو 2500 شاب عاطل من العمل خرجوا في تظاهرة مطالبين بـ«ثورة جديدة»، لأن الثورة الأولى لم تحقق مطالبهم الأساسية، وخاصة في التشغيل والقضاء على الفساد. وتحدث السكان عن حصول البعض على وظائف مقابل رشوة موظفين في إدارات عمومية. كذلك ردّد المحتجون النشيد الوطني التونسي وأضرموا النار في عجلات مطاطية، وسدوا بها الطريق المؤدية إلى مدينة «نفطة» التابعة لمحافظة توزر، فيما استخدمت قوات الأمن غازات مسيلة للدموع وأطلقت الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين.
وإلى جانب المشاكل الاجتماعية، يعدّ الاقتصاد من أبرز التحديات المطروحة أمام الحكومة في الأسابيع المقبلة، إذ أعلن البنك المركزي التونسي أن تونس لم تحقق نمواً اقتصادياً عام 2011، حيث بلغت نسبة النمو صفر في المئة، وأن عدد العاطلين من العمل في البلاد فاق خلال العام نفسه نسبة 18 في المئة، مقابل أكثر من 13 في عام 2010، وسجل النمو الاقتصادي انكماشاً بنسبة 3.3 في المئة ليتوقف عن النمو تماماً في الربع الثاني.
لكن على مدار العام الماضي شهد الاقتصاد التونسي تراجعاً بنسبة 3 في المئة فقط، ما يعدّ تحسنا مقارنةً مع بداية اندلاع الثورة التي كانت أشبه بعاصفة ضربت عصب الاقتصاد.