القدس المحتلة | «كونوا على استعداد سنسلمكم حسن الليلة»، أعادت هذه العبارة عائلة الشهيد حسن مناصرة، الى لحظة استشهاد إبنها منذ خمسة أشهر، فاختلطت مشاعر الحزن بالفرح، وملأت الدموع عيون أهله، فأخيراً شهيدهم سيوارى الثرى، بعدما قرر العدو الإسرائيلي الإفراج عن جثته.
قبل الثانية عشرة من ليل الإثنين، وهو موعد تسليم الجثة، بدأ خالد مناصرة والد الشهيد تجهيز نفسه، لاستقبال جثمان نجله الذي لم يتجاوز عمره 15 عاما. فأصر على ارتداء ثياب جديدة، وأكثر في وضع عطره، الذي اعتاد ابنه حسن التعطر منه قبل ذهابه إلى مدرسته.
اتجه خالد إلى المكان الذي خبأ فيه كفن نجله. أخرجه وضمه إلى صدره بهدوء. بعد ذلك نادى على والدة الشهيد، التي كانت غارقة بدموعها. انطلق يرافقه 40 شخصا كما اشترط الاحتلال، وذلك بعد «مفاوضات» طويلة بين الاستخبارات الإسرائيلية ووالد الشهيد. وتفضل الأجهزة الأمنية التابعة للعدو أن يكون عدد المشيعيين قليلاً كي لا تندلع اشتباكات بعد الجنازة، ولأسباب أخرى.
في الوقت المحدد للتسليم، وصلت العائلة إلى مقبرة باب الأسباط الملاصقة للمسجد الأقصى، لتجد المكان أشبه بثكنة عسكرية. بعد الانتظار، جلب الجثمان بسيارة إسعاف. ركضت والدة المناصرة نحو السيارة، لكنها لم تتمكن من رؤية جثمان ولدها الذي انتظرته خمسة أشهر. منعها زوجها من رؤيته، وأراد أن يكون هو من يراه أولا.
وعد محمود عباس بحل القضية ولكن السلطة لم تفعل شيئاً

فُتح باب سيارة الإسعاف. «هل هذا ابنك؟» سأله الضابط. اقترب خالد نحو الجثمان وجده مجمدا، وملفوفا بكيس بلاستيكي أسود ومربوط بقطعة قماش عند منطقة الرأس. بعد تردد، نزع الكيس عن الجثمان. صدم الوالد وبكى.
«تغير شكل جسم ولدي ولون بشرته، بقيت بعض الملامح البسيطة من وجهه نفسها لكن كل شيء تغير»، قال الأب بحزن لـ«الأخبار». أضاف: «عندما منعتُ زوجتي من الاقتراب كنت أخاف عليها من رؤيته بهذا المنظر، حتى أتأكد بنفسي أن الاحتلال وفى بعهده معنا ولم يرسله إلينا مجمداً».
بعد رؤيته هذا المنظر، رفض خالد تسلّم جثمان ولده، برغم التلاسن الذي حصل مع ضباط الاستخبارات، وتوجه إلى المقبرة وأمر من فيها بإخلائها، لكون موعد استلام الشهيد لم يحن بعد. وقال إنه لن يضره انتظار ستة أشهر أخرى، كي يستلم ابنه غير مجمد، ما يمكّنه من تغسيله ودفنه بطريقة لائقة.
من ناحيتها، سارعت استخبارات الاحتلال، في محاولة منها للضغط على العائلة لاستلام الشهيد، إلى إبلاغ محامي العائلة أن «الجثمان سيتضرر في حال إعادته للتجميد، لكون درجة حرارته ارتفعت قليلا»، لكن الوالد أصرّ على استلام جثة نجله غير مجمدة.
ومع استمرار بكاء «أم الشهيد»، وتأثير ذلك، فإن خالد بقي على موقفه. يقول لـ«الأخبار»: «لو رأت كيف أثّرت الثلاجات في حسن، لما استطاعت البقاء على قيد الحياة، بكاؤها المستمر أمامي، أهون علي من مشاهدتها تموت».
يتابع الأب المكلوم: «شاهدت ما جرى مع أسر الشهداء الذين استلموا جثامين أبنائهم مجمدة، وكنت أرى كيف كانت جثامينهم تنزف مما أحزنني كثيراً، كما كانوا يواجهون صعوبة في تغسيل الجثمان ودفنه، كل ذلك جعلني أرفض استلامه، رغم اشتياقي لتقبيله وتوديعه».
إذن، رفْض خالد استلام جثمان نجله مجمداً جعله عرّاب تلك الخطوة، التي أكد والد الشهيد بهاء عليان المحتجزة جثته في ثلاجات العدو منذ خمسة أشهر، أنهم سيتبعون السياسة نفسها، وسيرفضون استلام جثمان ولدهم مجمدة. يقول والد عليان لـ«الأخبار»: «بعد خطوة مناصرة، سيحسب الاحتلال ألف حساب لتسليم الجثامين وهي مجمدة».
وعن تقديمهم التماساً إلى محكمة الاحتلال العليا يطالب بتحديد موعد لتسليم جثامين الشهداء المحتجزين الذين وصل عددهم إلى 12، قال، إن «المحكمة أمهلت الشرطة 14 يوما للرد على الطلب».
يواصل عليان: «توجهنا إلى مكتب أبو مازن (رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس)، منذ شهر وسلمناه ملف الشهداء، ووعدنا بحل قريب للقضية، لكن السلطة لم تحرك ساكنا»، مؤكدا أنهم وأهالي شهداء سيتخذون إجراءات فردية بعيدا عن السلطة والفصائل.