رام الله | رغم أحاديث المصالحة، التي بقيت أحاديث حتى الآن، بادرت الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، إلى فتح ملف ميزانية السلطة لعام 2012، وهو ما أعاد قضية الأزمة المالية الفلسطينية إلى السطح، وخصوصاً بوجود 85 ألف متقاعد يكلفون الخزينة 48 مليون يورو شهرياً، بينما السلطة تفكر في إحالة 26 ألفاً آخرين إلى التقاعد المبكر. وسط هذه الأجواء، أعلن الاتحاد الأوروبي، بالمساهمة مع إسبانيا وإيرلندا ولوكسمبورغ، تقديم مبلغ 47.7 مليون يورو للسلطة الفلسطينية لدفع رواتب ومخصصات التقاعد لشهر كانون الأول لما يقرب من 85000 موظف حكومي ومتقاعد فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن هذا الحديث عن الدعم المالي لا يبدو عملياً؛ لأنه يأتي في وقت تدرس فيه الحكومة الفلسطينية مقترحاً لقرار الإحالة على التقاعد المبكر، وهو ما يمس 26300 موظف من المدنيين والعسكريين في السلطة الفلسطينية، حيث رفض بسام زكارنة، رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، هذا المقترح، وأكد أنه سيؤدي إلى انفجار الموظفين وغضبهم، بما لا يمكن أحداً من السيطرة عليه.
وأكد زكارنة، في بيان رسمي، أن نقابته تسلمت مقترحاً بصيغة قرار للحكومة فيه إحالة نحو 26300 موظف مدني وعسكري على التقاعد المبكر لمن أمضوا خمسة عشر عاماً خاضعة للتقاعد للموظفين المدنيين، وعشرين عاماً للعسكريين. وأضاف أن هذا المقترح موجود على طاولة الحكومة للنقاش والإقرار من دون أي تشاور مع التشريعي والفصائل والنقابات، وخصوصاً أن مثل مقترح كهذا «خطير» يهدد الموظفين ليدخلوا ضمن شريحة الفقر المدقع؛ لأن نحو80% منهم لن يتقاضى سوى 50% من رواتبهم، علماً بأن رواتبهم كاملة لم تعد تكفيهم لمنتصف الشهر.
وبينما الأمور تسير إلى مزيد من العجز المالي، ومواجهة محتملة بين الحكومة ونقابة العاملين في الوظيفة العمومية، خاطب وزير الاقتصاد حسن أبو لبدة كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفياض بضرورة تعيين وزير للاقتصاد في أسرع وقت ممكن، وذلك لما رآه حاجة السلطة لاتخاذ قرارات تاريخية لترشيد النفقات وتنمية الإيرادات، ما يستدعي وجود وزير ملمّ ومتمكن ومدعوم سياسياً على رأس وزارة الاقتصاد الوطني لمواجهة تبعات ونتائج قرارات السلطة الترشيدية على أداء الاقتصاد الفلسطيني، واضعاً استقالته من الحكومة بتصرف الرئيس ورئيس الوزراء.
وأكد أبو لبدة أن التحديات والمصاعب الاقتصادية المتعلقة بعدم القدرة الذاتية على سدّ الفجوة التمويلية الخاصة بموازنة السلطة والناجمة عن عدم وفاء المانحين بكامل التزاماتهم، واستمرار تضخم فاتورة الإنفاق الشهرية مقارنة مع الإمكانات الذاتية، تلزم السلطة اتخاذ قرارات مؤلمة لتلبية الاحتياجات المتكررة، والإسراع في وضع خطة وطنية تحظى بالقبول السياسي والفصائلي لترشيد الإنفاق وتنمية الموارد الذاتية.
حالة التخبط المالي التي تعيشها الحكومة، ووزارة الاقتصاد، وحتى ملف المصالحة، تنعكس على الشارع الفلسطيني بكل أطيافه، ما يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات المتعلقة بجدية المصالحة، وكيفية استمرار عمل الحكومة أو أي حكومة مقبلة، لمواجهة هذه التحديات والقدرة على الاستمرار، والأهم الوفاء بالالتزامات الكبيرة «وهي كثيرة» تجاه المواطن الفلسطيني.