تباينت أمس المواقف من بعثة المراقبين العرب، فمن جهة حسم طيف واسع من المعارضة السورية موقفه معلناً فشل هذه البعثة ومطالباً بسحبها، فيما أكد مندوب إحدى الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية أن الجامعة لن تسحب بعثة المراقبين الى أن تنتهي مدة المهمة التي تبلغ شهراً.
وجاءت التصريحات بعدما قال رئيس وزراء قطر، وزير الخارجية، حمد بن جاسم، إن المراقبين ارتكبوا أخطاء وإن الجامعة سترى ما إذا كانت البعثة ستستمر أو لا، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي لتلفزيون «المنار» إن «بلاده تسعى إلى الموضوعية والمهنية في التعاطي مع البعثة».
ومن المقرر أن تجتمع اللجنة الوزارية العربية حول سوريا في القاهرة يوم الأحد لبحث النتائج الأولية التي توصلت إليها البعثة، والتي أرسلت لمراقبة تنفيذ مبادرة السلام التي طرحتها الجامعة العربية.
وقال بعض المسؤولين في الجامعة إن دولاً مثل السودان والأردن ومصر والجزائر قلقة من إنهاء البعثة مبكراً، إذ تخشى من أن يؤدي إعلان فشلها الى تدخل عسكري غربي في سوريا. وقال مسؤول في الجامعة، طلب عدم نشر اسمه، «يخشون من أن يصبح هذا نمطاً وقد يحدث لاحقاً في دولهم».
وفي حين دعا المحتجون الى تظاهرات حاشدة اليوم، تحت شعار «التدويل مطلبنا»، تحدث رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، إثر لقائه في نيويورك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ليل الأربعاء، عن مساعدة محتملة من الأمم المتحدة للجامعة العربية في إطار بعثة المراقبين، مقرّاً بأن الأخيرين ارتكبوا «بعض الأخطاء» بسبب قلة الخبرة.
وقال الشيخ حمد «ناقشنا اليوم مع السكرتير العام تحديداً تلك المشكلة وجئنا الى هنا للحصول على المساعدة الفنية والوقوف على الخبرة التي تتمتع بها الأمم المتحدة، لأنها المرة الأولى التي تشارك فيها جامعة الدول العربية بإرسال مراقبين، وثمة بعض الأخطاء».
وأكد الشيخ حمد أن «وقف أعمال القتل وسحب القوات وإطلاق سراح المعتقلين والسماح لجميع وسائل الإعلام الدولية بدخول البلاد تقع على عاتق الحكومة السورية»، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الكويتية.
من جهته، طالب العقيد المنشق، رياض الأسعد، الجامعة العربية بإعلان فشلها في سوريا، مطالباً بإحالة الملف السوري الى الأمم المتحدة. وقال الأسعد «نتمنى من العرب أن يعلنوا أن مبادرتهم فشلت (...) نحن مع إحالة الموضوع الى الأمم المتحدة».
وفي سياق ردود الفعل الخارجية، دعت باريس الجامعة العربية الى «اللجوء الى كل السبل الممكنة لتعزيز مهمة» بعثة المراقبين العرب في سوريا، مؤكدة أن «كل المساهمات (...) مفيدة ولا سيما مساهمة الأمم المتحدة».
وقال مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، رومان نادال، للصحافيين إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مدعوّ في القرارات الأخيرة للجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان الى «أخذ الإجراءات اللازمة لدعم جهود الجامعة العربية إذا طلبت ذلك». وأضاف إن «افتتاح مكتب للمفوضية العليا لحقوق الإنسان مطلوب في سوريا».
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الخارجية البلجيكية أن وزير الخارجية ديدييه ريندرز استقبل على حدة كلاً من برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، وهيثم مناع، رئيس هيئة التنسيق الوطنية السورية لقوى التغيير الوطني في المهجر، ودعاهما الى التوحد. ولم يدل أي من المسؤولين في المعارضة السورية بأي تصريح في ختام الاجتماعين.
وفي مقابلة مع صحيفة «الخبر» الجزائرية، أعلن المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني أن التدخل الأجنبي في سوريا مسألة حتمية.
ومن دمشق، أعلن عضو في لجنة صياغة الدستور في سوريا أن اللجنة الموكلة صياغة دستور جديد قررت إلغاء نظام الاستفتاء الرئاسي الساري منذ 1971 واستبداله بانتخابات «تعددية». وقال الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية قدري جميل لصحيفة «الوطن» إن اللجنة أقرت «انتخابات رئاسية تعددية، أي أن الجهة الوصائية على الانتخابات أصبحت المحكمة الدستورية»، مشيراً الى أن «هذه المحكمة إذا جاءها أقل من ترشيحين فلن تجري انتخابات، بل تعود وتفتح باب الترشيح مرة أخرى». ولفت جميل الى أن موضوع مدة الولاية الرئاسية «لم يحسم بعد»، كما يريد أعضاء اللجنة إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تجعل حزب البعث «الحزب القائد في الدولة والمجتمع»، ناصحاً حزب البعث الحاكم «بالتخلي عن المادة الثامنة» في المؤتمر الحادي عشر للحزب المرتقب في شباط.
وفي النشاط السوري الرسمي، عرض وزير الخارجية وليد المعلم الدور السلبي الذي تقوم به الحكومة التركية في محاولة منها لزعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، وذلك خلال استقباله أمس رئيس حزب السعادة التركي مصطفى كمالاك، الذي أكد «رفضه التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية».
ميدانياً، تابع وفد من بعثة مراقبي الجامعة العربية نشاطه فزار بلدة عربين في ريف دمشق، كما زار وفد من البعثة بلدتي المسيفرة والسهوة في ريف درعا. بالمقابل، أخلت السلطات السورية أمس سراح دفعة جديدة من السوريين الذين أوقفوا على خلفية الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد. وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أنه «تم إخلاء سبيل 552 موقوفاً تورطوا في الأحداث ولم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين». وكانت الحكومة السورية قد أخلت في نهاية كانون الأول الماضي سبيل 755 موقوفاً، وذلك بعد أيام من بدء مهمة بعثة المراقبين العرب، بينما كانت أخلت نحو 2500 موقوف على 3 دفعات حلال تشرين الثاني الماضي.
من جهته، قال المحامي ميشيل شماس إن «محكمة استئناف الجنح في دمشق قررت إخلاء سبيل الناشط شادي أبو فخر بكفالة مالية، علماً بأنه مضى على توقيفه نحو خمسة أشهر»، فيما أعلنت «لجان التنسيق المحلية» اعتقال الممثل السوري جلال الطويل على الحدود السورية الأردنية، ونقله الى ثكنة عسكرية في درعا. كما أفادت «لجان التنسيق» بأن عدد القتلى أمس وصل الى 20، منهم 12 في دير الزور، و4 في حمص، وواحد في كل من حلب ودمشق وإدلب والحمورية.
في المقابل، أعلنت وكالة سانا مقتل ضابطين في كمين مسلّح أثناء مرورهما في حيّ المضابع في حمص، وعسكريين في هجوم على مخفر في حمص. كما نقلت مواقع إخبارية محلية معلومات عن اشتباكات مسلحة في قرية السعدة التابعة لناحية مركدة في الحسكة، بين مجموعة من «الجيش السوري الحر»، وأخرى تعرف بأنها تتبع «الطليعة المقاتلة» للإخوان المسلمين، كما قتل ضابط وعنصران من حفظ النظام في اشتباك مسلح في الحسكة.
وفي أشرطة الفيديو التي بثت على يوتيوب، نظمت تجمعات معارضة في خربة غزالة والحارة ـــ درعا، وفي حي العسالي ـــ دمشق، وفي القصير والوعر باب الدريب ـــ حمص، وفي حاس والبشيرية وسرمين وكفرومة ـــ إدلب، وفي حي المرجة ـــ حلب، وفي الحجر الأسود والمقيليبة وزملكا وقطنا والكسوة ومعظمية الشام ـــ ريف دمشق، وفي باب قبلي وكرناز ـــ حماه. في المقابل، تواصلت أمس التجمعات المؤيدة للرئيس السوري في ساحة السبع بحرات في دمشق.
(الأخبار، أ ف ب، سانا، يو بي آي، رويترز)