باريس | في تصريح مثير أدلى به أمس لصحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية، قال «الرجل الثاني» في حركة الإخوان المسلمين السوريين، محمد فاروق طيفور، إن إيران سعت إلى «استمالة» حركته إلى صف الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابل منحها 4 حقائب بارزة في حكومة ائتلافية جديدة. وأشار القيادي الاسلامي إلى أن المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي، أرسل 3 مبعوثين للقائه في إسطنبول في أواخر تشرين الأول الماضي، بهدف التوصل إلى اتفاق في هذا الخصوص. لكنه استدرك بأن الحركة رفضت لقاء الموفدين الإيرانيين، «وأبلغناهم من خلال وسيط تركي أننا لا يمكن أن نلتقي مع الإيرانيين في الوقت الذي يساعدون فيه على قتل شعبنا». وتابع طيفور أن وسيطاً تركياً اتصل به 3 مرات خلال أسبوع واحد بهدف ترتيب لقاء مباشر بينه وبين المبعوثين الإيرانيين في الفندق الذي أقاموا فيه بإسطنبول. وبحسب طيفور، فإنّ جواب تنظيمه ظلّ الرفض، و«أبلغنا الوسيط التركي بأنه لا يمكن أن نلتقي الإيرانيين ما داموا يعادون شعبنا، وحين تقف إيران إلى جانب الشعب السوري، سنكون على استعداد للقاء مبعوثيها وإجراء محادثات معهم». وقد سأل الصحافي بان بيرنبوم، الذي أجرى المقابلة مع طيفور في مكتب «المجلس الوطني السوري» في إسطنبول، عن هوية الوسيط التركي المذكور، فأجاب بأنه من «معارفه الشخصية»، وليس مسؤولاً حكومياً، لافتاً إلى أنه يجهل إن كانت (حكومة) أنقرة على علم بالمبادرة الإيرانية. لا غرابة في أن تطلق إيران مبادرة وساطة بين النظام السوري والمعارضة، على غرار ما فعلته دول أخرى حليفة لدمشق، كروسيا والصين. لكن رواية طيفور بدت غير متماسكة؛ من جهة قال إنه رفض لقاء الموفدين الإيرانيين، ومن جهة أخرى أورد تفاصيل دقيقة عن المقترح الذي كُلِّفوا إبلاغه به. وفي ظل غياب أي أدلة ملموسة تسمح بالجزم إن كانت قصة المبعوثين الإيرانيين صحيحة أو مُختلقَة، يرجِّح المتابعون لخفايا الأزمة السورية أن تكون الرواية التي سردها طيفور في حديثه لـ«واشنطن تايمز» تغطي جانباً من الحقيقة، لكنها بالتأكيد ليست الحقيقة كاملة. فقد أغفل القيادي الإخواني الحديث عن سيناريوات مماثلة سبق أن وردت في وثائق رسمية أميركية كانت قد أشارت إلى أن حركة الإخوان وافقت، في تموز الماضي، على مسعى يهدف إلى إشراكها في «حكومة استقرار» تؤلَّف بالتوافق مع النظام السوري. لكن تلك المبادرة لم تأت من محور طهران ـــــ دمشق، بل اندرجت ضمن صفقة سرية أُبرمت بين وزارة الخارجية الأميركية، والإخوان السوريين بمباركة من تركيا التي كُلفت مهمة «تسويق» الفكرة في دمشق، في فترة لم تكن فيها حكومة أنقرة قد انتقلت بعد بنحو كامل إلى المعسكر المعادي للنظام السوري.
ومن أبرز الوثائق التي تحدثت عن هذه الصفقة السرية، تقرير أصدره «معهد هيودسن» المقرب من «البنتاغون» في 15 آب الماضي. ويعنى هذا المعهد، المتفرع عن مؤسسة «راند»، بـ«تقديم دراسات وتقارير عن مدى «مطابقة القرار السياسي (الأميركي) للقيم والمصالح الأميركية وللأمن القومي»، وهو ما يدفعه غالباً إلى تبني مواقف نقدية تجاه السياسات الرسمية، رغم ارتباطه عضوياً بوزارة الدفاع. وقد حملت الوثيقة المشار إليها توقيع رئيس «معهد هيودسن»، هيربرت لندن، وجاءت بعنوان «الولايات المتحدة تخون المعارضة السورية». ومن أبرز ما ورد فيها: «تؤكد مصادر متعددة أن كواليس الدبلوماسية الأميركية تشهد، منذ مطلع الصيف الماضي، توجهاً قوياً ينادي بدعم وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في البلدان العربية التي تشهد ثورات شعبية، من منطلق أن الإخوان يمثّلون عامل استقرار كفيل بتفادي حدوث انفلاتات أمنية في بلدان عاشت على مدى عقود تحت نير قبضات أمنية حديدية، بحيث يُخشى أن يؤدي سقوط الأنظمة المتسلطة إلى انتشار الفوضى والاقتتال الأهلي». وفي ما يتعلق بالشأن السوري، تابعت الوثيقة: «إن معلومات مستقاة من مصادر متعددة تؤكّد أن وزارة الخارجية الأميركية أبرمت صفقة سرية بمباركة من تركيا مع ممثلين عن الإخوان المسلمين السوريين، لتسهيل وصولهم إلى الحكم أو إشراكهم فيه». ووصفت الوثيقة هذه الصفقة بأنها تُعَدّ «تخلياً عن خيار دعم المعارضة الديموقراطية السورية»، في مقابل «الاستعانة بالإخوان المسلمين للحفاظ على الاستقرار في سوريا». وأشار التقرير نفسه إلى أن «الصفقة السرية» تنص على وصول «الإخوان» إلى الحكم، وفق أحد السيناريوين: إما تقاسم الحكم بين الإخوان والنظام القائم، لتأليف حكومة استقرار سورية، أو عبر تسلّم الإخوان للسلطة بنحو كامل، ليحلّوا محل النظام الحالي إذا فشلت المساعي الأميركية ـــــ التركية الهادفة إلى إقناع النظام بقبول تقاسم السلطة».
ولم يصدر عن «الإخوان» في حينها أي تكذيب لما ورد في وثيقة «معهد هيودسن» بخصوص هذه الصفقة السرية الأميركية ـــــ التركية ـــــ الإخوانية. كذلك لم تنف واشنطن ما جاء في هذه الوثيقة، رغم أنها تضمنت نقداً شديداً لتوجهات الدبلوماسية الأميركية، حيث أشارت الوثيقة إلى أن بوادر هذا التوجه برزت منذ الاجتماع الذي عقدته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، مع ممثلين عن المعارضة السورية في شهر تموز الماضي في واشنطن. ووفق نص التقرير، «كان لافتاً أن المدعوين إلى ذلك الاجتماع غلبت عليهم الوجوه الإخوانية، فيما غابت المعارضة الديموقراطية وممثلو الطوائف والإثنيات الأخرى، كالسنّة الليبراليين والأكراد والعلويين والآراميين والدروز والآشوريين»، وهو ما رأت الوثيقة فيه إشارة إلى «خيار أميركي غير معلن بإدارة الظهر للمعارضة الديموقراطية، والسعي إلى ترجيح كفة الإخوان المسلمين».
ورأت الوثيقة أن «هذا الخيار الداعم للإخوان المسلمين يستند إلى نظرية رائجة هذه الأيام في وزارة الخارجية الأميركية، مفادها أن الأولوية الأهم هي لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، ولو اقتضى ذلك تحالفاً ظرفياً مع تيارات قد تكون أعداءً محتملين للولايات المتحدة».



سفير «نادي واشنطن» في «المجلس»


محمد فاروق طيفور هو نائب المراقب العام لحركة «الإخوان المسلمين» السوريين. وهو أيضاً أحد الأعضاء التسعة في المكتب التنفيذي لـ«المجلس الوطني السوري».
ويُقال في أوساط المعارضة في الخارج إنه يمثّل، إلى جانب أحمد رمضان وعبيدة النحاس، الثلاثي الأقوى في قيادة «المجلس». بينما يذهب بعض منتقديه، مثل رئيس «هيئة التنسيق الوطني» في المهجر، هيثم مناع، إلى حد وصفه بأنه أحد سفراء «نادي واشنطن» في «المجلس الوطني».
وكان طيفور قد أحدث المفاجأة، قبل أشهر، حين وافق على المشاركة في «مؤتمر المعارضة السورية»، الذي عُقد في باريس برعاية «الفيلسوف» الفرنسي المؤيد بحماسة لإسرائيل، برنار هنري ـــــ ليفي (الصورة). وفيما دعت أبرز قيادات المعارضة، من ميشال كيلو إلى هيثم مناع وبرهان غليون، إلى مقاطعة تلك الفاعلية المشبوهة، كان طيفور حاضراً في الصفوف الأمامية. ولم يفوِّت برنار هنري ـــــ ليفي الفرصة لإبراز حضوره، حيث تلفّت طويلاً باحثاً عن مكانه للترحيب به في افتتاح المؤتمر، قائلاً: Où est donc ce cher Tayfour (أين هو هذا العزيز طيفور؟).