شهد قطاع غزة في الأشهر الماضية، تفجير عدد من العبوات الناسفة التي استهدفت منازل قادة في «حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس»، وسيارات قادة في ذراعها العسكرية. بعض التفجيرات تبنتها مجموعات سلفية متشددة تعلن ولاءها لـ«داعش»، وخصوصاً سرية «الشيخ عمر حديد»، التي رفعت سقف مواجهتها مع «حماس»، بعد اعتقال الأجهزة الأمنية عناصر منها. ويعرف أبناء القطاع أن عدداً ممن استحوذهم الفكر المتطرف، بعد «الربيع العربي»، كانوا من تيارات وفصائل إسلامية وخاصة «حماس».
لكن ما يحرج الحركة، هو انشقاق عناصر عنها والتحاقهم بـ«داعش»، كما سرب أخيرًا عن خروج أحد عناصر «القسام» في المنطقة الشرقية لرفح مع عائلته، بالتعاون مع تنظيم «ولاية سيناء».
وظهر أن أكثر المعنيين بهذا التسريب موقع «المصدر» الإسرائيلي، الذي نقل منذ يومين «انضمام قياديَين ميدانيين من كتائب القسام إلى تنظيم ولاية سيناء بعد خروجهما عبر الأنفاق مع عائلتيهما إلى الأراضي المصرية». وقال الموقع إن «أبو مالك أبو شاويش، قائد ميداني بارز، وأحد مؤسسي وحدة النخبة، وقاد عمليات مهمة خلال حرب غزة الأخيرة في مدينة رفح، ومرافقه وزوجته وأطفاله، وصلوا منذ عدة أيام إلى سيناء».
لكنّ مصادر في «حماس» قالت إن أبو شاويش «مسؤول عن إحدى المجموعات الميدانية، ولم يشغل منصباً قيادياً كبيراً على مستوى المنطقة». وترفض الحركة تضخيم عدد مؤيدي تلك الجماعات في القطاع، برغم التحاق عدد منهم بتلك التنظيمات الموجودة في سوريا أو ليبيا أو العراق. وقالت المصادر إن «عدد الهاربين والمطلوبين لها من الجماعات التكفيرية لا يزيد على بضع عشرات».
ومع تأزم الوضع الأمني في سيناء، وجدت «حماس» نفسها في موقف صعب، وخصوصاً مع تزايد الاتهامات لها بالتورط في عمليات «ولاية سيناء»، وآخرها اتهامها باغتيال النائب العام المصري هشام بركات.
تضيف المصادر الحمساوية أن «الجانب المصري يدرك حقيقة براءتنا من هذه الأحداث، وقد قلنا ذلك خلال لقاءاتنا مع المصريين»، كما وجهت «حماس» بعد اجتماعات القاهرة، رسائل طمأنة كثيرة، كانت أولاها وضع إعلان كبير في ساحة السرايا الرئيسية في مدينة غزة، تقول فيه الحركة إن «المقاومة لا توجه سلاحها إلى الخارج»، مستخدمة فيه ألوان العلم المصري. ثم جاء إعلان المتحدث الرسمي باسم الحركة، سامي أبو زهري، عدم ارتباط «حماس» تنظيميًا بـ«جماعة الإخوان المسلمين»، وهي المرة الأولى التي تخرج فيها الحركة ببيان يحمل في طياته هذه الرسائل.
بعد ذلك، نقلت مواقع محلية وإسرائيلية نبأ اعتقال عدد كبير من ناشطي تنظيم «لواء التوحيد» المنشق عن «ألوية الناصر صلاح الدين». وقد ربط بعضهم حملة الاعتقالات بتقديم الحركة وعودا للقاهرة بضبط حدود القطاع ومنع تنقل الجهاديين بين غزة وسيناء.
على المستوى السياسي، فإن نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، قال في كلمة في ذكرى اغتيال الشيخ أحمد ياسين، أول من أمس، إنه لا يوجد لحركته «أي دور أمني أو عسكري في مصر». وأضاف هنية: «ليس لنا أي تدخل أمني وعسكري في مصر، أو أي دولة عربية وإسلامية، فحركة حماس حركة تحرر وطني فلسطيني»، مجدداً حرص «حماس» على «إقامة علاقة طيبة ومتوازنة مع مصر، وكافة الدول في المنطقة».
وكانت المرة الأولى التي تصادم فيها الطرفان بوضوح عام 2009، وذلك عندما أعلن مؤسس تنظيم «جند أنصار الله»، عبد اللطيف موسى، خلال خطبة الجمعة في مسجد «ابن تيمية»، إقامة الدولة الإسلامية في رفح. حينذاك، اقتحمت الأجهزة الأمنية و«كتائب القسام» المسجد الذي تحصنت فيه جماعة موسى، ما أدى إلى إنهاء مخطط المجموعة ومقتل عدد كبير من أفرادها.
وتبعت تلك المواجهة سلسلة صدامات وحملة اعتقالات خلال السنوات التي تلت وصول «حماس» إلى الحكم. ومع مرور الأعوام، نجحت هذه الجماعات في تأليف خلايا مسلحة استهدفت عددا من المقارّ الأمنية وشخصيات في «حماس»، ما زاد وتيرة المواجهة بينها وبين الأجهزة الامنية.
ظهور هذه المجموعات، إضافة إلى بروز نجم «أنصار بيت المقدس»، ثم تغيير اسمه إلى «ولاية سيناء» بعد مبايعة «داعش»، ألقىت بظلال ثقيلة على غزة، وخصوصاً بعد استهداف تلك المجموعات الجيش المصري، واتهام الإعلام المصري، «حماس»، بمساعدتها على ذلك.
حالياً، تجد الحركة نفسها مضطرة إلى التعامل بحذر مع تلك المجموعات خوفاً من إشعالها الحرب مع إسرائيل، لذلك تسعى إلى إمساك العصا من المنتصف، وفي الوقت نفسه إلى اعتقال رموز «السلفية الجهادية»، والأشخاص الذين ثبت تورطهم في أعمال تفجير. وتفيد المصادر الأمنية بوجود عشرين معتقلا تقريبا من أنصار هذه الجماعات في سجونها.