مع وداع عام 2011، أجرت تل أبيب مراجعة تقييمية، فوصفت العام الماضي بأنّه مرحلة انتقالية باتجاه إعادة إنتاج بيئة استراتيجية مغايرة مليئة بالتهديدات للأمن القومي الإسرائيلي. وتبيّن للدولة العبرية أنه جرى في العام الماضي تبديد أهم ركيزتين كانت تتّكئ عليهما في السنوات الماضية في ما يتعلق بسياساتها وأمنها واستراتيجياتها إقليمياً، وهما: حيادية الجبهة الجنوبية مع مصر، والتي كانت قائمة بوجود نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وحيادية الجبهة الشرقية، وإلى حدّ ما الشمالية (مع لبنان). تطورات عام 2011 أسقطت الركيزتين، وما تخشاه تل أبيب هو الاتجاه نحو إسقاط المزيد من الركائز، مع أمل معبّر عنه إسرائيلياً بأن يحمل العام المقبل تعويضاً يحدّ من التداعيات السلبية بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أرسل إشارات عن الخشية والقلق الإسرائيليين، في كلمة ألقاها أمام الكنيست قبل أيام من انتهاء العام الماضي، تحت عنوان «الأوضاع الجديدة في الشرق التي ستخلق تحديات لم تتعامل معها إسرائيل منذ عشر سنوات». وبحسب نتنياهو، فإنّ «عدم الاستقرار في منطقتنا قد برز بموجب تطورين أخيرين: نتائج الانتخابات في مصر، والواقع الجديد المتبلور في العراق».مّة الإسهاب في شرح موقف نتنياهو وردت في العديد من القراءات التحليلية الإسرائيلية التي حاولت تفنيد الوضع الاستراتيجي المستجد للدولة العبرية. ومن أبرز هذه القراءات ما كتبه المعلّق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، الذي أشار إلى أنّ «الهزة في العالم العربي أدّت وستؤدي إلى تحوّل استراتيجي إقليمي وتاريخي؛ فحالياً، من وجهة نظر إسرائيلية، النتيجة الأهم هي الشك في فترة الانتقال الفاصلة بين الموجة الأولى من الثورات (العربية)، وبين الوضع الجيوسياسي الجديد الذي سيتكوّن بعد عدة سنوات». وتابع أن «التحوّلات المحتملة في العالم العربي كثيرة، ولها تأثيرات وتداعيات متنوعة، وفي الوقت نفسه، فإن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية عاجزة تقريباً عن متابعة وفهم المزاج العام والأعمال غير المنتظمة في الشارع العربي». وأكّد أن «الشك المتواصل حيال الساحات العربية يلقي بظلال صعبة على القادة في إسرائيل حيال إمكانات تحديد ماهية التهديدات وماهية الفرص، وبالتالي الترجيح بينهما والاستعداد إزاءهما».
وكتب بن يشاي أنّ «عام 2011 شهد تفاقماً كمّياً ونوعياً في تهديدات الصواريخ الموجهة إلى الداخل الأمني والعسكري الإسرائيليين، إذ لا يوجد حالياً مكان أو منطقة في إسرائيل خارج نطاق ترسانات السلاح الموجود في حوزة حزب الله والسوريين والمنظمات الإرهابية في غزة». وأشار المحلل الإسرائيلي إلى أن «المسألة تتعلق بنحو مئة ألف صاروخ، ثلثهم من النوع المتوسط والثقيل، موجّهة إلى وسط إسرائيل». وتابع أن «حزب الله والغزّيين حسّنوا كثيراً في العام الماضي من الأنظمة الدفاعية الموجودة في حوزتهم، واستحصلوا على صواريخ متطورة مضادة للدروع، ما زاد من قدرتهم على مواجهة إسرائيل برّياً في لبنان وقطاع غزّة».
وحيال إيران، أوضح بن يشاي أنّ «المقلق هو عدم قدرة الغرب على بلورة وتطبيق استراتيجيا فعالة لوقف، أو على الأقل، لعرقلة برنامج إيران النووي عبر فرض عقوبات اقتصادية شالّة»، مشيراً إلى أن «احتمال فرض عقوبات غربية على ايران، أو تنفيذ خيارات عسكرية ضدها، بات بالفعل مقلَّصاً».
بدوره، كتب عامير ربابورت في موقع «إسرائيل ديفنس» أن «أهم أحداث عام 2011 مرتبطة بالتأكيد بالتأرجح الحاصل في العالم العربي، وقد يتضح خلال سنوات معدودة أنّ سقوط الأنظمة هو جزء من عودة العالم العربي إلى مجتمع أكثر قبلية، أي مجتمع معارض لمفهوم الدول القومية الذي فرضته الدول العظمى (على المنطقة) في نهاية الحرب العالمية الأولى». ويرى ربابورت أن «ما يمكن رؤيته بوضوح هو أنّ الجمهوريات العربية مثل مصر تتداعى الواحدة تلو الأخرى، أما الأنظمة الملكية، مثل السعودية والأردن، فتقاوم بطريقة أفضل بكثير حتى الآن، لكن ما هو أكيد أن الثورات في الشرق الأوسط تؤثر إلى حد كبير على الوضع الأمني لإسرائيل». ومضى الكاتب نفسه شارحاً أنه «عشية عام 2011، كانت اتفاقية السلام مع مصر حجر استقرار في مفهومنا الأمني، وسمحت الاتفاقية بتركيز المؤسسة الأمنية على تهديدات أخرى، لكن مع انتهاء هذا العام، بات على الجيش الإسرائيلي أن يعدّ نفسه لليوم الذي تسيطر فيه الأحزاب الإسلامية على النظام في مصر». ويخلص إلى أنّ «الجيش الإسرائيلي بدأ بتعزيز قواته جنوباً، حتى قبل اليوم الذي أُرسل فيه مبارك إلى السجن. وعلى طول الحدود الإسرائيلية ـــ المصرية، تظهر تداعيات تغيير النظام بوضوح: المزيد من الإرهاب والمزيد من قوات الجيش، والفراغ الأمني يسهّل حالياً من عمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة».
وحيال الساحة الشمالية (الحدود مع لبنان وسوريا)، كتب رابابورت أن «الثورة التي هي في طور التكوّن في سوريا، قد تلعب لمصلحة إسرائيل على المدى البعيد. لكن على المدى القصير، فإن الثورة في سوريا هي تهديد أمني واضح؛ فحتى يستقر النظام السوري الجديد، ستتضاعف النشاطات الإرهابية على امتداد الحدود المستقرة حالياً في هضبة الجولان، وقد تحاول مجموعات في الجيش السوري إطلاق صواريخ في اليوم الذي يسقط فيه النظام، ومن المتوقع أيضاً أن يُشارك حزب الله في هذه الفوضى العامة من خلال تقديم صواريخه في المعركة». أما وضع حزب الله، فيشير الكاتب إلى أنّه «لن يكون مبهراً، إذ عليه أن يستعد لليوم الذي يسقط فيه نظام الأسد».