عاد السؤال عن حقيقة الدور الأميركي في الحرب السعودية على اليمن إلى الواجهة من جديد، بعدما كشفت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تورّط الولايات المتحدة في جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف السعودي في هذا البلد.
وقالت المنظمة الدولية في السابع من نيسان الجاري إن الغارات الجوية التي نفذها «التحالف» على سوق مستبأ الشعبي في منطقة حجة الحدودية جرت بقنابل زودته بها الولايات المتحدة، ما أدى إلى مقتل 97 مدنياً بينهم 35 طفلاً. وأكدت المنظمة أن هجمات غير قانونية كهذه، تمثل جريمة حرب، سواء أكانت متعمدة أم مستهترة.
وبناءً على هذا التحقيق، تساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن «من يجب أن نلوم حين تقتل الغارات الجوية مدنيين في اليمن؟». ويستند هذا السؤال أيضاً إلى طبيعة الدور التي أقرّت به واشنطن في بداية الحملة العسكرية على اليمن قبل أكثر من سنة. في حينه، أكد مسؤولون في الإدارة الأميركية أن دور بلادهم يقتصر على المشاركة في تحديد الأهداف للتحالف السعودي بناءً على معلومات استخباراتية، إلى جانب تزويد الطائرات الحربية بالوقود من الجو.
وفي التحقيق الميداني الذي أنجزته «هيومن رايتس ووتش» في الثامن والعشرين من آذار الماضي، وجدت المنظمة الدولية في السوق بقايا قنبلة «جي بي يو-31» موجّهة بالأقمار الصناعية، تتكوّن من قنبلة «إم كي ـ4» الأميركية تزن 2 طن، بالإضافة إلى مجوعة توجيه عبر الأقمار الصناعية (ذخائر الهجوم المباشر المشترك JDAM)، قدمتها واشنطن أيضاً للرياض.
انشغال «التحالف» بمحاربة «الحوثيين» سهّل لـ«القاعدة» التوسّع

وأكدت الصحيفة الأميركية أن الصراع في اليمن «أصبح عبئاً كبيراً على الولايات المتحدة». وبالرغم من أن الأخيرة لم تقاتل في هذه الحرب مباشرةً، إلا أنها تؤدي أدواراً مهمة «لا يمكن التحالف الاستغناء عنها». وعُرضت أشكال الدعم الأميركي للرياض، بدءاً من تقديم السلاح للسعودية، الدولة الثالثة الأكثر استيراداً للسلاح في العالم، وصولاً إلى تعيين الأميركيين 45 عسكرياً لتنسيق المشاركة العسكرية في الحملة مع جنود من السعودية والإمارات والبحرين.
«الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة استُخدمت في واحدة من الهجمات الأكثر دموية ضد المدنيين في حرب اليمن، الأمر الذي يوضح لماذا ينبغي للدول إيقاف بيع الأسلحة إلى السعودية»، قالت الباحثة في قسم الطوارئ في «هيومن رايتس ووتش»، بريانكا موتابارثي. الأخيرة دعت واشنطن وحلفاء «التحالف» إلى توجيه رسالة واضحة للرياض، مفادها رفض المشاركة في عمليات قتل المدنيين.
في المقابل، حاولت الباحثة في المنظمة نفسها والمتخصصة في الشأن اليمني، بلقيس ويلي، إيجاد مخرج للأميركيين في هذا المجال، عبر طرح احتمال عدم معرفتهم بأن السعوديين سيستخدمون الأسلحة ضد المدنيين حين باعوهم تلك الأسلحة. إلا أن «ذنب الولايات المتحدة»، وفقاً لـ«نيويورك تايمز»، يمكن إحالته إلى السؤال الآتي: هل شاركت واشنطن في تحديد الهدف في خلال الهجوم على السوق، أو إذا كانت قد زوّدت طائرات «التحالف» بالوقود من الجوّ في أثنائه، وفقاً لأشكال دعمها المعلن؟
وفي رسالةٍ للصحيفة، قال المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأميركية، باتريك رايدر، إن القرار النهائي في تحديد الأهداف المنوي قصفها، يقوم بها «التحالف»، لا الولايات المتحدة. «ولكن هل يعفي ذلك واشنطن من المسؤولية»، تساءلت الصحيفة الأميركية التي أشارت إلى «عدم الارتياح» أبداه مسؤولون أميركيون خلال الأشهر الماضية إزاء الطريقة التي تقود بها السعودية الحرب ومن إطالتها لمدتها، بالإضافة إلى القلق من «تصفية الحسابات مع الحوثيين».
ودعت الصحيفة واشنطن إلى البحث في قضية تصدير السلاح للسعودية، قائلةً إنه إذا لم تكن الرياض تستطيع أن تكون أكثر انضباطاً في استخدام الأسلحة المدمّرة، فإن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في بيع الأسلحة لها، انسجاماً أيضاً مع دعوة البرلمان الأوروبي للحكومات الأعضاء قبل نحو شهرين بوقف تصدير السلاح إلى السعودية.
وفي سياق متصل، تطرّقت صحيفة «ذي واشنطن بوست» الأميركية لقضية أخرى تثير التساؤلات عن دور واشنطن في هذه الحرب. فإلى جانب اتهامها بالمشاركة في ارتكاب جرائم حرب، ذكّرت الصحيفة بتحقيق وكالة «رويترز» قبل أيام قليلة، حول إسهام هذه الحرب بازدهار تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، بعد توسّعه وسيطرته على أراضٍ واسعة في الجنوب، مستغلاً الفراغ الأمني. وكان التحقيق قد قارن مدينة المكلا التي يسيطر عليها التنظيم جنوبي اليمن، بمدينة الرقة السورية، «عاصمة الخلافة» التي أعلنها تنظيم «داعش».
وأكدت الصحيفة مقاربة التحقيق المذكور حول أن انشغال التحالف السعودي بمحاربة «الحوثيين»، سهّل لعناصر التنظيم المتطرف التوسع في المدن الساحلية. وفيما أشارت إلى المعطيات حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي للتنظيم الذي تمكن من تكديس ثروات طائلة بواسطة الأموال المنهوبة من الصارف في المكلا (عاصمة محافظة حضرموت)، أنذرت من أن ذلك سيكون له نتائج مخيفة لن يمكن إنكارها.