القدس المحتلة | تترقب أربع عشرة عائلة مقدسية رؤية بيوتها «كومة» من الركام. ذنبها الوحيد هو سكنها في القدس المحتلة، التي تعمل السلطات الإسرائيلية على تهويدها لتغيير الواقع الديموغرافي لمصلحة المستوطنيين. تسكن هذه العائلات على بعد مئة متر إلى الشرق، من جدار البلدة «العتيقة»، وتنتشر بيوتها على مساحة 19 دونماً تعود ملكيتها إلى «الوقف الذري» لعائلتي الأنصاري وطوطح.
وتتذرع بلدية الاحتلال في القدس بأن هذه البيوت مقامة على أرضٍ مصنفة منذ عام 1974 في خانة «الأراضي الخضراء»، غير المخصصة للبناء، لذلك تريد مصادرتها لمصلحة صندوق المستوطنين. لذا سلّمت البلدية سكان تلك البيوت قرارات إخلاء منازلهم، والآن هم بانتظار مصير مجهول، يحدده مقبل الأيام.
الاحتلال حوّل 52% من أراضي القدس إلى أراضٍ خضراء يُمنع البناء فيها

لكن الحقيقة أن هذه شيّدت قبل احتلال فلسطين بكثير، فيما لا يشفع هذا لها عند إسرائيل، التي أساساً سبق أن هدمت بيوتا و«بركسات» (بيوت حديدية) في تلك المنطقة تحت الذريعة نفسها (الأرض الخضراء)، علماً بأنها لا تسمح أصلاً للمقدسيين بالبناء داخل الأماكن التي تدعي أنها «مسموح بالبناء فيها».
ومنذ أكثر من 20 عاماً، تقبع العائلات الـ14 داخل أقبية القضاء الإسرائيلي، حتى قضى الأخير بحكمه النهائي، فارضاً إخلاء جميع البيوت لمصلحة حديقة يتنزه فيها المستوطنون. وبعد جلستين من استئناف العائلات، لم يبق لها حيلة سوى انتظار مصير التهجير المحتوم، والعيش في الشوارع!
الباحث الفلسطيني في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، يشرح لـ«الأخبار»، أن «الاحتلال حوّل 52% من أراضي مدينة القدس إلى أراضٍ خضراء يُمنع البناء فيها، وذلك في سبيل الاستيلاء عليها»، مبيناً أن قضية هذه المنازل الواقعة في منطقة وادي الجوز تدخل ضمن مخطط تلك الأراضي الخضراء التي صدر قرار بالاستيلاء عليها في السبعينيات. وأضاف التفكجي: «في 1983 بلغت مساحة الأراضي المستولى عليها شرقي بلدة القدس القديمة 200 دونم، تصل بين قرية الطور ووادي الجوز وسلوان».
«وين أروح بأولادي؟ عندي 16 ولد!» يقول أحد مالكي البيوت، عارف التوتنجي، موضحا أنه يسكن في منزله المتواضع منذ زمن طويل، ولديه 16 ابناً وابنة لا يعرف أين يذهب بهم بعد إخلاء منزله. كما أوضح التوتنجي أن «لا أحد من المسؤولين والمتغنين بالقدس ودعم أهلها قد ساندنا ولو معنوياً».
القلق، الذي ينتاب عائلة التوتنجي، يجتاح العائلات الأخرى. البيت والأرض أهم الأشياء بالنسبة إليهم، وخاصة أنها تعتبرهما جزءاً من باحات المسجد الأقصى، الذي لا يبعد إلا أمتاراً قليلة عنها. يشرح توتنجي عن حبه للمكان: «بسمع الأذان من هون. بتوضا وبأمشي للأقصى حتى أصله مع موعد إقامة الصلاة». ويضيف: «أعلم جيداً لماذا لا يريدوننا في هذا المكان، فدائماً ما يتردد على أرضنا المستوطنون لأداء طقوس تلمودية مستقبلين الأقصى بها، هذا عدا عن المسارات شبه اليومية للمستوطنين في ما يسمى الوادي المقدس الذي يقع أسفل منزلنا».
بجانب منزل التوتنجي، يقع منزلان مهددان يعودان إلى عائلة عمرو، وقد بنيا قبل احتلال القدس، ولكن هدمت أجزاء منهما بذريعة «البناء من دون ترخيص»، فيما تسكن المنزلين ستّ أسر من العائلة نفسها.
يتجول عمرو (51 عاماً) بين البيوت المهددة بالهدم. عيناه لم تفقدا بصيرتهما كما فقدتا البصر. يشرح لـ«الأخبار» أن هذه البيوت «لا تقف في وجه أي تمدد استيطاني أو شق شارع»، فالمنطقة التي أقيمت فوقها تقع وسط حي عربي وبعيدة نسبياً عن الشارع الرئيسي. ويتساءل: «يعني وين بدنا نروح؟»، مشيرا إلى أنه ليس لهم أي مكان آخر يلجأون إليه.
النكبة في فلسطين عموماً، والقدس خصوصاً، لا تقتصر على الأحياء من الفلسطينيين، اذ سبق أن طاولت مدافن ومقابر تعود إلى شعوب وأعراق سكنت هذه الأرض قبل التاريخ، منها ما هدم وجرف لبناء «ماميلا- مأمن الله» مثلاً، وهو مجمع تجاري لرفاهية المستوطنين والسياح.
في الإطار العام، لا يزال الاحتلال ماضياً في سبيل تطبيق مخطط 2020 الرامي إلى تقليص عدد السكان الفلسطينيين في المدينة إلى 20% أو 30% بحلول عام 2020، حتى لو كان ذلك لمجرد تنزه مستوطنه في حديقة على أنقاض بيوت فلسطينية الأصل!