ريف دمشق | يغطي الثلج قمم جبال القلمون المهيبة. على الطريق المزيّن بكتل متفرقة من ثلج ريف دمشق الكثيف، ينتشر الخراب على أطراف بلدة قارة بشكل لا يفاجئ المارين. أعداد من المدنيين العائدين تتناثر على طرفي الطريق، بالإضافة إلى عناصر الجيش الواقفين على حواجز مفارق المدينة القلمونية. تكسو ملامح المدنيين الحيرة. لسان حالهم يقول: «من أين نبدأ تنظيف الردم وترتيب هذا الكم الهائل من الخراب!». والسؤال لا يفارقهم حول كيفية بداية إصلاح ما هدمته الحرب. السير على الطريق المنكوب له مخاوفه. من هُنا عَبَر مدنيو قارة الهاربون من الحرب التي اشتعلت في بلدتهم. يمكن تخيّل أهوال الطريق المحفوف بالقنص والاشتباكات والقذائف والخطف والخيبات، بهدف الوصول إلى بلدة دير عطية، التي كانت آمنة في حينها. إنما الوصول إلى مفرق دير عطية لا يشبه، بأي حال، نجاة أهالي قارة بالوصول إلى المنطقة الموالية، فللقذائف آثارها على مباني دير عطية «الآمنة».
على المفرق تحتل لوحة ملوّنة طرف الطريق، حاملة ابتسامة عريضة للرئيس الراحل حافظ الأسد، أغفلها، ربما، المسلّحون حين انشغلوا بالهرب على الطريق إلى النبك. الهدوء يعمّ الطريق الدولي قرب دير عطية. حواجز لا تُعدّ ولا تحصى للجيش السوري. أطفال يتحركون داخل شوارع البلدة، مرتدين ستراتهم السميكة وقبعاتهم الصوفية، وقد وضعوا كراسيهم البلاستيكية أمام البيوت، يستمتعون بأشعة الشمس الدافئة بعد موجة برد قارسة. مشفى الباسل في دير عطية يقف شاهداً على أيام عصيبة مرت بها المنطقة. رافعات تتبع لمؤسسات رسمية تقوم بعملها في ترميم مواقع قصف القذائف التي استهدفته. كما في كل منطقة عادت إلى سيطرة الدولة، تسارع البلديات إلى «إعادة المناطق إلى الخدمة»، كنوع من التأكيد على بسط سيطرة الدولة. الخراب على مفرق النبك هو الأقسى. عند «استراحة طيبة» يمكن أن تلمح دخاناً يخرج لتوّه من إحدى نوافذ الجدران المتهالكة، ما يوحي بقذيفة سقطت منذ لحظات.
يتوزع عناصر الجيش على الحواجز وقد كسا الثلج ما حولهم وغلّف البرد ملامحهم. لا تشديد أمنياً على المسافرين وعابري الطريق الدولي قرب النبك الهادئة. إنما لحاجز يبرود هيبته، بعد توقف المعارك على حدودها والاكتفاء بالقصف المدفعي لمواقع تمركز المسلحين غرب المدينة. الجميع متحفّز لعبور الحاجز المذكور، لا سيّما أنه أكبر الحواجز لجهة عدد الجنود، حتى الآن. نظرات العيون زائغة مترقبة، خشية المفاجآت المحتملة. تزداد المساحات غير المأهولة بعده، لتنكشف مساحات ساحرة من البياض. عدد السيارات هُنا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. شعور مخيف يرافق المرء متسائلاً حول أي جنون يدفع البعض إلى عبور هذا الطريق الخطر. تساؤل يمكن أن تلمحه في عيون جنود الجيش الواقفين على الحواجز. فأي ضرورة تدفع الناس إلى المقامرة بحياتهم في سبيل الوصول إلى أي هدف دنيوي. حبس الأنفاس يحكم كل ركاب السيارة المسرعة. لحظات من الصمت المطبق حتى الوصول إلى معلولا. تلوح مباني عدرا العمالية العالية والمطلة على الطريق من بعيد. تتطاير النظرات نحوها لرصد دخان القذائف المتصاعد منها، بعد قسوة الأخبار الواردة منها على مدار الأسبوعين الفائتين. الطريق الدولي مفتوح أمام المسافرين، هذا ما يمكن استنتاجه بعد رحلة طويلة للوصول إلى العاصمة السورية. عودة تغطية الاتصالات يعلنها رنين هاتف أحد المسافرين، فيرد بقوله: «لقد أصبحنا على أتوستراد حرستا». مشاهد الخراب تتخلل صوت المسافر المتحدث عبر الهاتف، مجيباً على سؤال عن الطريق. جواب المسافر يأتي ساخراً: «ما بعرف... إنو نفدنا». إجابة يتسم فيها السوريون مؤخراً، في ظل الحرب التي تأتي على الأخضر واليابس في البلاد. معظم المسافرين الناجين من أخطار الطريق المحتملة يؤكدون أن التجربة «المستهترة» ليست للتكرار إلا عند الضرورة القصوى، على الرغم من فتح الطرق منذ ما يزيد على 20 يوماً، وعودة سيارات الشحن إلى العمل بعد توقف أكثر من شهر عن السماح لها بالمرور.