تدللت إسرائيل على مجلس حقوق الإنسان وقاطعته بحجة تحيزه ضدها، فما كان منه إلا أن استرضى عودتها إليه بتسوية تجهض عمليا قدرته على أداء دوره الرقابي بحقها، وتحديدا على ممارساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين. فبعد عام ونصف عام على تعليق تعاونها مع المؤسسة المنبثقة عن الأمم المتحدة، عُبّدت خلال الأيام الأخيرة الطريق أمام استئناف هذا التعاون من موقع جديد هو عضوية إسرائيل في المجموعة الأوروبية داخل المجلس وانطلاقا من تعهدات قدمتها هذه المجموعة بمقاطعة الجلسات التي تكون فيها دولة الاحتلال عرضة للمساءلة في جدول أعمال هذه الجلسات. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أمس أن مجموعة الدول الأوروبية في المجلس وافقت بالإجماع على ضم إسرائيل إليها، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعني تقليصا كبيرا للمعاملة التمييزية السلبية التي انتهجها المجلس ضد إسرائيل على مدى السنوات الماضية. وكان المجلس الذي تشكل عام 2006 قد أصدر بيانات إدانة ضد إسرائيل في محطات عديدة، كما أنه عيّن لجنة غولدستون التي حققت في أحداث الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2008 تحت عنوان «الرصاص المصهور» والتي خلص تقريرها النهائي إلى اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. ودأبت إسرائيل على اتهام المجلس بالانحياز ضدها حتى أن وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أمر قبل عام ونصف عام بقطع العلاقات مع المجلس إثر قرار الأخير تشكيل لجنة للتحقيق في الآثار السلبية للمستوطنات على الفلسطينيين في الضفة الغربية. إلا أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قرر مؤخرا استئناف العلاقات مع المجلس بناء على مساعٍ بذلتها الدول الغربية لضمان آلية تحول دون تأثير النفوذ العددي للدول العربية داخله واستخدامه ضد إسرائيل. وقد جرت مفاوضات مطولة بين إسرائيل وكتلة الدولة الغربية في المجلس لبلورة آلية كهذه، وطرحت تل أبيب خلالها شرطين لاستئناف التعاون: الأول أن توافق دول الاتحاد الأوروبي على مقاطعة مداولات المجلس التي تجري تحت «المادة السابعة». وتنص المادة السابعة على سلطة المجلس في أن يبحث عند انعقاده وضع حقوق الإنسان في دولة محددة بشكل منفصل عن باقي الدول. وجرت العادة أن استخدمت الدول العربية هذا البند للبحث في وضع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من قبل الجيش الإسرائيلي. وتعهدت مجموعة الدول الأوروبية لإسرائيل أن تقاطع هي أيضا المداولات التي ستجري تحت هذه المادة على مدى الدورتين القادمتين للمجلس. كما تعهدت المجموعة الأوروبية بأن تكون الطريقة الوحيدة التي يصوت فيها مندوبوها في المستقبل في المداولات المتعلقة بإسرائيل هي الإجماع. وبما أن الإجماع الأوروبي في تصويت المجلس يكاد يكون متعذرا، فإن المعنى العملي لذلك هو أن أوروبا لن تشارك أو تصوت في المداولات ذات الصلة بإسرائيل، مما يعني إفراغ المادة السابعة من مضمونها وفاعليتها في كل ما يتعلق بإسرائيل.
أما الشرط الإسرائيلي الثاني فكان قبول إسرائيل عضوا في مجموعة الدول الغربية في المجلس، خلافا للوضع السابق الذي لم تكن فيه عضوا في أية مجموعة، مما أفقدها القدرة على التأثير في جدول أعمال المجلس. وكان أن لوحت إسرائيل خلال المفاوضات التي أجرتها بأنها ستنسحب كليا من المجلس إذا لم تتم الموافقة على ضمها للمجموعة الغربية حتى نهاية العام. ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن الدول الغربية خشيت من أن يكون انسحاب إسرائيل النهائي مدخلا لانسحاب دول أخرى كسوريا وكوريا الشمالية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا على تأثير المجلس ودوره في تفعيل نظام رقابة حقوق الإنسان في العالم. وجرّاء ذلك، مارست دول في المجموعة الغربية ضغوطا على دول أخرى في المجموعة نفسها، كآيسلندا وإيرلندا وتركيا لسحب تحفظاتها حيال انضمام إسرائيل إلى المجموعة، وهو ما حصل أول من أمس حين وافقت دول المجموعة بالإجماع على ذلك.