لم تحقق قوى المعارضة المسلحة هدفها في الهجوم «المباغت والموجع» الذي شنّته في الغوطة الشرقية على مرحلتين، ابتداءً من يوم الجمعة الفائت. الهدف المعلن للهجوم هو فك الحصار عن الغوطة، المفروض منذ نيسان الماضي. الطوق الأبعد عن المنطقة الحيوية يمر ببلدة العتيبة، الواقعة في أقصى شرق الغوطة، وشمالي شرقي مطار دمشق الدولي. وتلك البلدة هي بوابة الغوطة للآتين من الأردن والعراق عبر البادية السورية. ومنذ أن عزل الجيش السوري العتيبة، ثم سيطرته عليها قبل نحو 7 أشهر، بدأ يحرز التقدم تلو الآخر في ريف دمشق، على حساب مقاتلي المعارضة. وهؤلاء، أرادوا خلال الأيام الماضية استعادة السيطرة على العتيبة، بهدف فك الطوق عن الغوطة. وفك الطوق عن الغوطة، يعني، في نظر مسلحي المعارضة ورعاتهم، استعادة القدرة على تهديد العاصمة السورية. شنّوا هجوماً واسعاً على مختلف الجبهات، مركّزين الهجوم في المناطق التي بإمكانهم النفاذ منها نحو العتيبة. وفي مرحلتي الهجوم، تمكن المسلحون من إيقاع عدد كبير من الإصابات في صفوف الجيش السوري والقوى التي تؤازره (قتل أكثر من 65 شخصاً). وأكدت مصادر ميدانية رسمية لـ«الأخبار» أن القوى الرئيسة في الهجوم هي «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، و«جبهة النصرة»، فضلاً عن مجموعة كبيرة من المقاتلين الذين خضعوا في الأردن لبرامج تدريب تموّلها السعودية. فشل المسلحون في تحقيق غايتهم بفك الحصار عن الغوطة، لكنهم أربكوا أعداءهم. لم يكن ضباط الجيش السوري الميدانيون يتوقعون هجوماً بهذا القدر من العنف. خلال الحديث عن عزم الولايات المتحدة الأميركية توجيه ضربة عسكرية لمواقع الجيش السوري، كان مسلحو المعارضة يعدّون العدة لهجوم يواكب العدوان. هجوم اليومين الماضيين في الغوطة كان البديل، بعدما تراجعت واشنطن عن شنّ عدوان عسكري على سوريا، بحسب مصادر ميدانية رسمية. وتؤكد المصادر أن قوات المعارضة حققت تقدماً ميدانياً، «لكنه بقي تحت السيطرة». إلا أن أبرز ما تحقق هو «الكسب المعنوي» من وراء هذا التقدم، بعد سلسلة التراجعات على مدى الأشهر الماضية. «فالمعارضون كسروا حالة اليأس من تحقيق تقدم ميداني». لكن المصادر نفسها تجزم بأن الجيش السوري والقوى المساندة له، التي لم تستعد بعد السيطرة على الأراضي التي فقدتها في هجوم المعارضين، استعادت زمام المبادرة، وهو ما ظهر في العدد الكبير من القتلى الذي سقط في صفوف المعارضين، من كافة الكتائب. «ويجري التركيز على ملاحقة أفراد المجموعة التي أتت من الأردن، بهدف تصفيتها». وأكدت المصادر أن الجيش لا يهدف من هجومه المضاد إلى استعادة الأراضي التي خسرها وحسب، «بل إنه يريد إحراز تقدم إضافي أيضاً، لكي لا يسمح لمسلحي المعارضة، سواء في «النصرة» أو «داعش» أو «مجموعات الأردن»، بمراكمة إنجازات ميدانية مستقبلاً، ولإعادة المسلحين إلى الحالة المعنوية التي كانوا عليها قبل هجوم الغوطة».
في المقابل، قال مصدر معارض لـ«الأخبار» إن المقاتلين أرادوا بمعركتهم «كسر الحصار عن الريف الجنوبي والغوطة الشرقية على حد سواء». واستمرت أمس المعارك العنيفة بين الطرفين، وتحدّثت مصادر إعلامية عن سقوط أكثر من 300 قتيل منذ بدء الاشتباكات، بينهم قادة مجموعات معارضة. وعرضت مواقع مؤيدة للجيش وأخرى للمعارضة صوراً لعشرات الجثث التي يقول كل طرف إنها تعود إلى قتلى من الطرف الآخر.
أما في القلمون، فقد سيطر الجيش السوري على مستشفى دير عطية وبساتين البلدة. وفي حلب، ارتفعت حصيلة الضحايا المدنيين إلى 11 شهيداً و30 جريحاً، نتيجة سقوط قذائف هاون استهدفت حي الجميلية في المدينة أمس. واستمرت المعارك بين الجيش والمسلحين على مختلف المحاور في حلب وريفها، فيما نشرت مواقع تابعة للمعارضة صور مقتل أحد الأمراء في «الدولة الاسلامية في العراق والشام» يدعى أبو جهاد النجدي.
الى ذلك، أكّد الجيش السوري أنه أحكم سيطرته على حي جوبر في غرب مدينة حمص بعد معارك عنيفة مع المسلحين. وأحرز الجيش أول تقدم منذ أشهر على محور جورة الشياح وسط حمص من خلال عملية نفذها في مواجهة مسلحي «جبهة النصرة»، ما مكّن الجيش من استعادة السيطرة على ثلاث كتل سكنية. وتمت العملية من خلال تفخيخ نفق حفره عناصر الجيش بعمق 6 أمتار ويمتد على مسافة 60 متراً، وصولاً إلى الجهة الخلفية من موقع تمركز أهم القيادات الميدانية للمسلحين في الحي.
على صعيد آخر، أعلنت «جبهة تحرير سورية الإسلامية» حلّ نفسها، في بيان موقّع من قائدها (قائد «ألوية صقور الشام») أحمد عيسى الشيخ. ويأتي حل «الجبهة» في إطار الاندماج في «الجبهة الإسلامية السورية» التي أعلن إنشاؤها يوم الجمعة الماضي كتنظيم يضمّ عدداً من الفصائل والألوية المعارضة.