«في كل الاحوال، السطر الاخير في كل ما جرى قبيح لجهة ان ايران بلغت دولة حافة نووية، في وردية نتنياهو، هو الذي جعل مواجهة ايران مهمة حياته»، عبارة كتبها المعلق السياسي في «يديعوت احرونوت»، شمعون شيفر، ولعلها التعبير الأدق عما يدور في خلد الكيان العبري. استعان شيفر بما ورد في «نيويورك تايمز»، التي اجملت ما يمكن وما لا يمكن تحقيقه بالنسبة إلى اسرائيل والعالم الغربي، بالقول «اوباما وعد بمنع القنبلة النووية عن ايران، (لكن) الرئيس الاميركي لم يعد وما كان يمكنه أن يعد بمنع ايران من امتلاك القدرة على الوصول الى قنبلة نووية. وهو يعرف انه لا يمكن من خلال هذه الصفقة أو تلك، ولا حتى من خلال حملة عسكرية، شطب العلوم التي اكتسبتها لانتاج القنبلة».
اما ناحوم برنياع، فرأى في «يديعوت احرونوت»، انه وقد «حصل ما حصل، ولم يعد بالامكان اعادة الامور الى الوراء، وبات الاتفاق الحالي نافذاً، في الظاهر لمدة ستة اشهر فقط، فإن هذا الاتفاق يشق طريقه باتجاه احد المسارات التالية: اما ان ايران سوف تتخلى عن برنامجها النووي، ونسبة احتمال تحقق هذا الامر تصل الى الصفر. او ان الضغط العالمي على الايرانيين بعد ستة اشهر، سيتزايد، وسيكون هناك اتفاق عام بين الدول العظمى على تشديد العقوبات أو على عملية عسكرية»، وهو مسار يرى برنياع ان نسبة احتمال تحققه تصل الى الصفر ايضا. في ضوء ذلك يرى برنياع ان اسرائيل ستضطر كسائر الدول في المنطقة الى أن تكيف نفسها مع مكانة ايران الجديدة باعتبارها دولة حافة نووية.
وفي ما يتعلق بالمواقف الحادة التي اطلقها نتنياهو، يرى برنياع انها تعبر عن «شعوره بالفشل الشخصي ايضا، لكون هذا السيناريو تحقق في فترة رئاسته للحكومة، بالرغم من أنه جعل مواجهة ايران النووية شعارا لولايته».
من جهتها، رأت «هآرتس»، في افتتاحيتها، أن توقيع الاتفاق النووي مع ايران، جدير بلقب «حدث تاريخي»، مضيفة إن «هذا الحدث لا ينتهي مع التوقيع نفسه، لانه بداية مسيرة طويلة ومركبة، غايتها اقتلاع البرنامج النووي الايراني ووقف اندفاعها نحو سلاح نووي». ومثل كل اتفاق، أوضحت «هآرتس» أنه «لن يلبي في هذه المرحلة كامل أماني الطرفين. اهميته تكمن، بقدر لا يقل اهمية عن بنوده الفنية، في كونه يعكس استعداد الطرفين لحل الخلافات بوسائل دبلوماسية واعطاء فرصة للثقة المتبادلة»، مشيرة الى ان «المفاوضات جرت بين طرفين عقلانيين لكل واحد منهما مصالح سياسية دولية ومحلية».
بدوره رأى ايتان هابر، في «هآرتس» ايضا، ان «اسرائيل تواجه في هذه الايام احد اهم المنعطفات المصيرية في تاريخها، وخاصة ان اتفاق جنيف ترك في يد ايران القدرة على بناء منشأة نووية في وقت قصير للغاية». واكد هابر ان «نتنياهو يلعن الساعة التي قرر فيها ان يكون رئيس وزراء في اسرائيل»، رغم انه «قد لا يكون مذنبا في تبلور الوضع الحالي».
لكن المعلق الامني في «معاريف»، عامير ربابورت، رأى ان «اتفاق جنيف النووي، وان كان يلغي من ناحية سياسية امكانية مهاجمة اسرائيل لايران خلال الاشهر المقبلة، الا انه في الوقت نفسه يزرع بذور التوتر القادم ويرفع من امكانية شن هجوم اسرائيلي في المستقبل». وفي ضوء ذلك، يرى ربابورت، ان اسرائيل باتت أمام خيارين فقط: إما مهاجمة ايران او التسليم بقنبلة نووية ايرانية آجلا أم عاجلا، وخاصة أن احدا في اسرائيل لا يؤمن بأن الايرانيين سيتنازلون حقاً عن حلم القنبلة.
ولفت ربابورت، انه «من اجل أن نفهم معنى الاتفاق، من المهم ان نعرف أن تصريحات نتنياهو والوزراء وان كانت متزامنة ومنسقة، إلا انها بالتأكيد تعبر عن احباط حقيقي»، مشددا على أن «الاستراتيجية الايرانية كانت ناجحة في هذه المرحلة، فيما يعبر الاتفاق عن فشل ذريع للتكتيك الاسرائيلي».
اللواء احتياط عاموس يادلين يرى ان اتفاق جنيف «في ظل البدائل المطروحة، يعد اتفاقا معقولاً بشرط أن يكون للاشهر الستة المقبلة». وفي ضوء ذلك رأى يادلين ان «ما جرى ليس «اتفاقا تاريخيا» لا «إخفاقا تاريخيا» لكون المعركة ما زالت بعيدة عن بلوغ نهاياتها».
ولفت يادلين انه «لو فشلت المحادثات في جنيف، كانت ايران، بالتأكيد، ستواصل تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%، وتشغيل اجهزة الطرد المركزي المتطورة وتتقدم في بناء مفاعيل المياه الثقيلة في منشأة اراك. وكانت التهمة ستوجه الى اسرائيل، الامر الذي من شأنه أن ينهي التعاون بين القوى العظمى ازاء ايران، ونتيجة ذلك كان نظام العقوبات سيتشقق».
وشدد يادلين على انه في ضوء هذه الخيارات، فقد «مثّل الاتفاق البديل المعقول، المفضل للستة اشهر التالية. وبعد تلك الفترة سنعرف حقاً كيف نحكم على جودة الاتفاق، ما إن كان يشبه اتفاق ميونيخ الذي في غضون سنة تبين كامل عيبه، حين بدأت الحرب العالمية الثانية، ام اتفاق كامب ديفيد، الذي ادى في غضون سنة الى سلام بين مصر واسرائيل».
الى ذلك، رأى الباحث في معهد الابحاث الامن القومي، افرايم كام، أن «بعض الايجابيات التي تحققت في الاتفاق كانت بفعل الموقف المتشدد لباريس، وان توقيعه بعد مفاوضات قصيرة نسبيا، جرى لأن الطرفين، ايران والغرب، اراداه جدا». ولفت كام الى أن «بعض الايجابيات في الاتفاق تتمحور حول التراجع الذي وافقت عليه ايران، فيما يتميز الاتفاق بعيوب كبيرة لجهة إبقاء مخزون اليورانيوم المخصب بدرجة 3,5%، الامر الذي يمكنها من الاحتفاظ بخيار الانطلاق نحو السلاح النووي لو اتخذت قرارا بذلك. كما أن الاتفاق لا يبين ما الذي سيحدث إذا لم يجر التوصل الى اتفاق نهائي، وهل ستبقى الاتفاقات سارية المفعول. اضافة الى الثقوب الملحوظة في الرقابة الدولية على المنشآت النووية، لكونه لا يتضمن رقابة منظمة لموقع بارتشين العسكري، كما لم توافق ايران على البروتوكول الاضافي الذي يحدد تشديد الرقابة على المواقع».