منذ أكثر من شهر، والجماعات المعارضة المسلحة تتكبّد الخسارة تلو الأخرى. ظهر الإحباط جليّاً في صفوف تلك الجماعات بعد تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن تنفيذ قرارها بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا. صعّد الجيش السوري عملياته العسكرية، ضمن خطة مكّنته من إعادة السيطرة على قرى وبلدات عدة، وخصوصاً في ريف العاصمة. حتى في حلب (شمال سوريا)، استعاد الجيش مراكز استراتيجية في وقت قصير وغير متوقّع. هنا اشتباكات بين جماعة مسلحة معارضة ضدّ أخرى. وهناك انشقاقات وانسحاب مسلّحين من مناطق سيطرتهم.
اليوم، وبعد أكثر من عامين ونصف على اندلاع الأزمة السورية، وفيما يقترب اجتماع مؤتمر «جنيف 2»، في ظل إحراز الجيش تقدّماً عسكرياً في الميدان وعلى جبهات عدة، شعرت المعارضة المسلحة بالخطر وبضرورة رص صفوفها. فيوم الجمعة الماضي، أعلن عن اندماج كبرى الفصائل الإسلامية المعارضة تحت قيادة «الجبهة الإسلامية»، بهدف «إزالة النظام وبناء دولة الإسلام»، في وقت تبقى كل من «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» و«دولة الإسلام في العراق والشام»، جماعات مقاتلة منفصلة. فهل ستعين هذه الخطوة المعارضة على وقف تراجعها؟
يوم 22 تشرين الثاني، أعلن عن الخطوة، بعدما تعيّن أن يقابَل «اصطفاف النظام وحلفائه»، بإنشاء «بنيان مرصوص متماسك تتضافر فيه الجهود وتتحطم على صخرته كل المؤامرات والدسائس»، فكانت «الجبهة الإسلامية».
وبحسب البيان، «الجبهة الإسلامية» هي «تكوين سياسي عسكري اجتماعي مستقل يهدف إلى إسقاط النظام في سوريا إسقاطاً كاملاً وبناء دولة إسلامية». وضمّت «الجبهة» كلاً من «جيش الإسلام» المنتشر في دمشق وريفها، «لواء التوحيد» ـــ القوة المقاتلة في شمال سوريا، وتحديداً في حلب، «حركة أحرار الشام» المتمركزة في إدلب وحماه والرقة، إضافة الى «كتائب أنصار الشام» و«ألوية صقور الشام» و«لواء الحق» و«الجبهة الإسلامية الكردية». ودعا البيان سائر الفصائل للانضمام الى هذا «المشروع العظيم».
أثار هذا الاندماج استياء «دولة الإسلام في العراق والشام»، التي دعا الناطق باسمها في سوريا، أبو محمد العدناني، التنظيمات الإسلامية المتشددة للانضمام إلى مشروع تنظيمه، قبل يوم واحد. فأطلقت الصفحات المؤيدة لـ«الدولة الإسلامية» على «الجبهة الإسلامية» اسم «الحلف السعودي الجديد»، متهمة الفصائل التي انضمت إلى الجبهة «بالخيانة» في معارك خناصر والسفيرة والسخنة والغوطة. يذكر أن العلاقات بين «الدولة» و«جيش الإسلام» الذي يترأسه زهران علوش، هي سيئة منذ البداية وتفاقمت إثر وصف الأخير لـ«الدولة» بأنها «دولة إعلامية افتراضية». كذلك لم تسلم «حركة أحرار الشام» من الهجوم، الذي بان منذ أن تعرّض اثنان من مقاتليها للإعدام من قبل عناصر «الدولة الإسلامية» عن طريق «الخطأ» منذ أكثر من أسبوع.
أحد المقاتلين في «جيش الإسلام» سابقاً، والآن في «الجبهة الإسلامية»، يقول لـ«الأخبار» إن «خطوة الاندماج جعلت الجبهة من أكبر القوى العسكرية حالياً... لا يوجد أي قوة أخرى تقارن بها لا في العدد ولا في العتاد». وفيما يرفض الخوض في تحديد العدد، يشير الى أن المقاتلين هم «بالآلاف... الآلاف».
من جهته، يؤكّد عبد الكريم ليلى، الناشط والعضو في اللجنة الإعلامية المؤقتة لـ«الجبهة الإسلامية» (لم يتم تعيين متحدث رسمي باسم الجبهة حتى الساعة) في حديث مع «الأخبار»، أن «هذا الإعلان له أثر كبير على المقاتلين وسيساهم في توحيد وحشد الطاقات العسكرية تحت قيادة موحدة تساعد على تنظيم صفوف المقاتلين في معاركهم على امتداد الساحة السورية». ويضيف ليلى إن هذا التنظيم الجديد أتى «بهدف تنظيم الصفوف بعد الخلل الذي أحدثه تقدّم قوات النظام في الغوطة الشرقية وحلب... الثوار وجدوا أنفسهم أمام معركة شرسة».
وفي حين لم يعد خافياً ارتفاع حدّة الصراع بين «دولة الإسلام في العراق والشام» والجماعات الأخرى، يقول ليلى إن «هناك اختلافاً في وجهات النظر ينعكس بشكل سلبي على الأرض، وسيتم حلها عبر الطرق الشرعية لوضع حد لها»، مؤكّداً أن «مقاتلي الجبهة سينسّقون مع كل من يقاتل النظام. الباب مفتوح للجميع. ستتوحد الجبهات وسينتظم العمل الميداني. نتائج إيجابية ستتحقق».
وعن المرجعية السياسية لـ«الجبهة الإسلامية»، في ظل وجود «الائتلاف السوري» المعارض من جهة، وفصائل مسلحة أخرى، ردّ ليلى بأن «المرجعية السياسية ستنبثق من صميم الجبهة ومكوناتها التي ستفرز هيئة سياسية تنسق القوى الثورية والسياسية في الداخل والخارج، ولتعبر بشكل أفضل عن تطلعات الناس، وخصوصاً أن الثوار أقرب الى الأرض مما يسمى المعارضة الخارجية».
لكن، هل تندمج «الجبهة الإسلامية» مع «جبهة النصرة»؟ يذكّر أحد المتابعين لشؤون الجهاديين في سوريا والمنطقة بأن جهاديي سوريا يعادون النظام السوري، ويعادون من يدعم هذا النظام. وعلى رأس هؤلاء، أحد أركان «الجبهة الإسلامية»، قائد «جيش الإسلام» زهران علوش. ورغم أن الأخير تحدّث في آخر تسجيل جرى بثه له عن العلاقات الجيدة مع «النصرة»، فإن الأخيرة لا تزال تصر على استقلاليتها، ولا تريد التحالف مع فصائل مقربة من الأنظمة الخليجية. ويظهر ذلك من استخدامها لاسم تنظيم «القاعدة».
في المقابل، لا تأخذ المصادر الرسمية هذا الاندماح على محمل الجد، رغم الخروقات التي استطاعت المعارضة تحقيقها في أكثر من منطقة. بالنسبة إلى النظام، الميدان هو أحد أبرز المؤشرات التي تبرهن على خسارة المعارضة المسلّحة.
وبرأي مصدر رسمي سوري، «لن يؤثّر الاندماج في «الجبهة» على سير المعارك... إنها خطوة شكلية فقط». ويعطي مثالاً ما حدث في كل من الغوطتين وحمص وحلب، حيث «لم يستغرق تحرير كل منطقة يقرر الجيش دخولها أكثر من ثلاثة أيام». ويتحدّث المصدر عن «انسحابات المسلحين في عدد من المعارك، وهذا ما يفسّر الاشتباكات التي حصلت بين مختلف الألوية المعارضة، بسبب الاتهامات المتبادلة بالخيانة».
من جهته، يعلق مصدر عسكري معارض على الخسائر التي منيت بها المعارضة في مناطق عديدة خلال الأسابيع الماضية بالحديث عن «التشرذم الحاد بين الفصائل المختلفة، وهو ما استفاد منه النظام كثيراً»، مؤكداً أن «توحيد الصفوف سيعيد ترجيح الكفّة لصالحنا، والجبهة الإسلامية خطوة في هذا الاتجاه».

يمكنكم متابعة رشا أبي حيدر عبر تويتر | @RachaAbiHaidar