أعلنت إسرائيل وفاة الرئيس السابق لجهاز «الموساد» للاستخبارات والمهمات الخاصة، مائير داغان، بعد صراع مرير مع المرض. مات داغان يوم أمس، في عامه الـ71، بعد تاريخ حافل بالإجرام، وتحويل «الموساد» إلى أداة لعمليات القتل حول العالم، بدءاً من فلسطين، وصولاً إلى أقاصي بقاع الأرض.ولد داغان في كانون الثاني 1945 في أوكرانيا، وهاجر إلى إسرائيل مع عائلته وهو بعمر خمس سنوات، ثم التحق في 1963 بالجيش الإسرائيلي، وتسلق المهمات والرتب في وحدة المظليين، ثم عمل مع رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون، الذي كان يرأس المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي عام 1971، وأنشأ معه وحدة المستعربين (ريمون)، المتخصصة بقتل وباغتيال المقاومين الفلسطينيين.
قاد داغان «لواء المدرعات 188» خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وعين لاحقاً قائداً لمنطقة الجنوب اللبناني في الجيش الإسرائيلي، حيث تولى مهمة تأسيس «جيش لبنان الجنوبي»، الذي عمل إلى جانب جيش العدو في الجنوب ضد فصائل المقاومة اللبنانية. وإضافة إلى «الجنوبي»، أسس داغان «وحدة الارتباط» في لبنان عام 1985، وكان القائد الأول لها، وأيضاً عمل على تشكيل الأجهزة الأمنية التابعة لـ«الجيش الجنوبي»، وأشرف على تجهيزه وتدريبه وعلى الأنشطة الأمنية التي أنيطت به.
بعد استقالته من الجيش، عام 1995، في أعقاب رفض رئيس الأركان آنذاك، إيهود باراك، إعطاءه منصب قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، فعمل داغان مستشاراً لرئيسَي الوزراء: إسحاق رابين وبنيامين نتنياهو، وتحديداً مستشاراً لـ«مكافحة الإرهاب». وفي ظل نجاحه في تنفيذ عمليات الاغتيال للمقاومين في فلسطين، وقربه من شارون، في عام 2002، تولى رئاسة «الموساد»، كما مددت مدة ولايته مرتين، في عهد أولمرت، ثم نتنياهو، إلى أن أنهى منصبه عام 2011.
رفضت بلدان عدة زرع كبد لداغان نظراً إلى سمعته السيئة

تكشف صحيفة «هآرتس» في تحقيق حول شخصية داغان، 26/09/2008، أن أريئيل شارون، أشاد به بعدما أصرّ على تعيينه رئيساً لـ«الموساد»، واصفاً إياه بالشخصية الملائمة لتولي هذا الجهاز الحساس، وتحديداً ما يتعلق بخبرته الطويلة في محاربة العرب، فوفق تعبير شارون هو «الشخص المتخصص بفصل رأس العربي عن جسده».
يحلو للإسرائيليين إطلاق ألقاب على داغان، نتيجة نجاحه في تنفيذ عمليات اغتيال لأعداء إسرائيل، من قادة الفصائل الفلسطينية وحزب الله، وصولاً إلى العلماء النوويين الإيرانيين، الأمر الذي أهّله كما يقول المعلقون الإسرائيليون لحيازة لقب «سوبرمان» الاستخبارات الإسرائيلية، و«رجل الاستخبارات العظيم».
وينسب إلى داغان، وفقاً لمصادر مختلفة، مسؤولية التخطيط والتنفيذ لعملية اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل، في مدينة دمشق عام 2004، وهو أحد مؤسسي «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وأيضاً اغتيال القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، عام 2008، جراء تفجير سيارة مفخخة، في دمشق أيضاً. كما يسند إليه اغتيال القيادي في «حماس»، محمود المبحوح، في أحد فنادق دبي عام 2010، وهي القضية التي أثارت جدلاً في إسرائيل، بعدما تسببت في كشف هوية وصور العشرات من عناصر «الموساد» المسؤولين عن تنفيذ العمليات في الخارج.
لكن داغان، «الرجل الخارق»، كان يدرك في المقابل حدود قوة إسرائيل وحدود الفعالية العسكرية لديها، الأمر الذي دفعه وآخرين من كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إلى معارضة أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، بل وصف ذلك بأنه «هراء»، وهو الموقف الذي كشف عنه علناً وتسبب في إحراج لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وفي توتر بينهما، دام سنوات؛ وفق داغان، فإن «فكرة توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، هي الفكرة الأشد حماقة التي سمعتها في حياتي».
مع ذلك، في تغريدة على حسابه الشخصي على «تويتر»، نعى بنيامين نتنياهو، داغان، واصفاً إياه بـ«المحارب العظيم»، كما صدر عن الرئيس الإسرائيلي، رؤفين ريفلين، بيان نعي، ورد فيه أن «داغان كان أحد أعظم مقاتلي الشعب اليهودي». أما رئيس المعارضة في الكنيست، يتسحاق هرتسوغ، فوصفه بـ«بطل إسرائيل الذي قاتل بشجاعة أعداءنا».
وفي 2012، أصيب داغان بسرطان الكبد، ولم تنفع العلاجات التي تلقاها في إسرائيل. فحاول الاتصال بمستشفيات عريقة حول العالم، وتحديداً لزراعة كبد بديل له، ولكن بلداناً عدة رفضت إجراء عملية الزرع نظراً إلى سمعته السيئة وتاريخه الإجرامي الطويل. لكنه نجح في التسلل بسرية إلى روسيا البيضاء، وخضع هناك لعملية زرع، لم تنجح في منع انتشار المرض في باقي جسمه، إلى أن قضى. ونقل الإعلام العبري آنذاك، عن رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشنكو، أنه طُلب من أطباء أميركيين وألمان إجراء العملية، ولكن «لم يرد أحد إجراء عملية زرع كبد، لرئيس موساد سابق». وآخر المواقف والتصريحات الصادرة عن «بطل إسرائيل الخارق»، قبل موته، كانت مليئة بالتشاؤم حول مصير إسرائيل والإسرائيليين، من سياسييها ومسؤوليها الذين يجرّونها جرّاً نحو الكارثة، كما قال.