تونس | الأحداث التي تشهدها تونس اليوم تنسف مرة أخرى الجهود المبذولة للتوصل الى وفاق بين الأطراف السياسية المتنازعة، ما يعمّق الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية المتواصلة في البلاد، فيما برزت جهود دولية أميركية وبريطانية وفرنسية وجزائرية لطرح وساطات في هذا الشأن. ولعل أبرز المواقف أمس كان إعلان الجبهة الشعبية، التي تشكل إحدى الكتل الرئيسة في جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة، رفضها ترشيح وزير المال في حكومة الباجي قائد السبسي، جلول عياد، لرئاسة الحكومة، بسبب «قربه من حركة النهضة التي التقاه عدد من قيادييها في الأيام الأخيرة».
أما حزب نداء تونس، المكوّن الأبرز لجبهة الإنقاذ، فقد تحفظ على ترشيح عياد من دون أن يرفضه.
ورغم تدخل الجزائر للمرة الثانية في أقل من شهر لحلحلة الأزمة السياسية، إذ استقبل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يومي الجمعة والأحد زعيمي حركة النهضة راشد الغنوشي وحركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، فإن اللقاءين أحيطا بتكتم شديد. لا أحد غير المعنيين بالأمر يمكن أن يؤكد ما جرى في محادثات زعيم الحزب المهيمن على الائتلاف الحاكم وزعيم الحزب الأساسي في المعارضة.
لكن الثابت أن موضوع التوافق حول رئيس الحكومة الجديدة كان هو الموضوع الأساس في اللقاءين، في وقت يواصل فيه سفير الولايات المتحدة لقاءاته المتواترة مع أبرز مكونات المشهد السياسي مع السبسي والغنوشي، وزعيم الاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي.
وفي الوقت نفسه، دخلت فرنسا وبريطانيا على الخط، إذ التقى رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر بسفيري البلدين نهاية الأسبوع الماضي، وهو ما يؤكد أن حل الأزمة التونسية لم يعد قراراً تونسياً فقط، بل أصبح هاجساً جزائرياً أوروبياً وأميركياً، والكل يخاف من انهيار الدولة التونسية وسقوط البلاد في الفوضى، حتى لا تلحق بالجارة ليبيا التي تعاني من انهيار غير مسبوق في وضعها الأمني. من جهتها، الأوساط السياسية استقبلت سفر السبسي والغنوشي الى الجزائر بكثير من التوجس، فلم يعتد التونسيون متابعة مشهد سياسي بهذه الهشاشة، إذ تحيلهم مباحثات الجزائر واللقاءات مع سفراء الدول الكبرى على مشاهد من لبنان بعد حريق الحرب الأهلية.
ويخشى التونسيون أن تتدحرج الأزمة السياسية الى سيناريو اللاعودة، خاصة مع وجود تقارير استخبارية عن وجود خلايا نائمة مجهزة بالأسلحة وجاهزة لإعلان الحريق.
وبعد ثلاث سنوات من انطلاقة الثورة، عاد أنصار النظام السابق ورجاله الى الواجهة، وسط شبه ترحيب شعبي، إذ يقارن التونسيون بين حياتهم وظروف العيش اليوم وما كانوا فيه قبل ١٤ يناير 2011، عندما غادر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي البلاد. بل أصبح نشطاء الـ«فايسبوك» وحتى بعض الصحف يطرحون أسئلة عن حقيقة ما حدث يوم ١٤ يناير وحقيقة القناصة الذين قصفوا أرواح شبان تونسيين أبرياء.
في هذا الوضع المشحون بالتوجس واليأس يطرح عدد من المتابعين للشأن التونسي مجموعة من الاحتمالات للخروج من الأزمة، من بينها اتفاق حركتي النهضة ونداء تونس على اقتسام السلطة لمدة عامين أو ثلاثة يكون فيها السبسي رئيساً للبلاد، ويكون رئيس الحكومة من «النهضة» بعد سحب الثقة من الرئيس الحالي في المجلس الوطني التأسيسي بتحالف بين نواب «النهضة» ونواب المعارضة.
ورغم أن «نداء تونس» كما «النهضة» قد نفيا حصول أي اتفاق بينهما، تؤكد الكثير من المؤشرات هذا، فضلاً عمّا كشفه زعيم الحزب الجمهوري نجيب الشابي، المعارض الشرس لبن علي وحليف الإسلاميين قبل الثورة، عن وجود هذا السيناريو بعد الإعلان الرسمي لفشل الحوار الوطني.
كذلك أكد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي وجود هذه «الصفقة» التي سيكون الحزب ورئيسه أول المتضررين منها.
وفي حال عدم جدية هذا السيناريو الذي يبقى ممكناً جداً، فلا أمل إلا بالتوافق على رئيس حكومة. وفي هذه الحالة قد يكون وزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي هو الأقرب لرئاسة الحكومة. لكن هل سيقبل بهذه المهمة مع وجود خلافات ظهرت إلى العلن بينه وبين الرئيس المؤقت تعود الى سنوات بعيدة عندما كانا يدرّسان في كلية الطب في سوسة؟