على الرغم من الإصرار الاسرائيلي والتهويل الذي تتبعه تل أبيب، وصلت رسائل أميركية الى الدولة العبرية تحاول طمأنتها إلى أنه يمكنها التعايش مع الاتفاق المرحلي الذي سيتضمن وقف درجة التطور النووي الايراني في النقطة التي وصل اليها.
ضمن هذا الإطار أوضح مسؤول أميركي رفيع المستوى في نهاية الأسبوع الماضي، أنه من أجل تجنب سيناريو اتفاق فاشل، كما حصل مع كوريا الشمالية في العقود الاخيرة، تعمل الولايات المتحدة على «ايقاف البرنامج النووي خلال المفاوضات، كي لا يتمكن الايرانيون من القفز باتجاه القنبلة، وتطوير برنامجهم النووي تحت غطاء المفاوضات الذي يمكنهم من كسب الوقت الذي يحتاجون إليه لذلك». موقف يعكس في نظر تل أبيب استبعاد الولايات المتحدة للخيار العسكري مع إيران، الأمر الذي يُغضِب ويقلق المسؤولين الاسرائيليين، الذين يتمحور رهانهم على الدفع نحو مواجهة أميركية إيرانية.
في المقابل، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إحداث شرخ بين دول مجموعة «5+1»، اتكاءً على الموقف الفرنسي الذي عرقل التوصل الى اتفاق في الجولة السابقة.
في هذا الإطار، طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي، فرنسا بعدم تليين موقفها من أجل منع التوصل الى اتفاق مع ايران، مشدداً في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو»، عشية وصول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى اسرائيل، على ضرورة منع إيران من الاحتفاظ بمفاعل المياه الثقيلة في آراك، أو استمرار التخصيب بأي درجة من الدرجات.
وفي محاولة تخويف واضحة لحليفيه أشار نتنياهو الى أن ايران تطور صواريخ عابرة للقارات، ليس من أجل الوصول الى اسرائيل «بل من اجل الوصول الى باريس وواشنطن».
وشدد نتنياهو، على وجود تطابق في الآراء والموقف بين اسرائيل والعديد من الدول العربية، في إشارة الى دول الخليج والسعودية، في الموقف من الاتفاق مع ايران، مشيراً إلى أن هذا الأمر من «الحالات النادرة، كما أذكر، ان لم تكن المرة الأولى في العصر الحديث، التي تتطابق فيها الرؤية على نحو تام بين اسرائيل ودول أساسية في العالم العربي، حول موضوع معين».
لكن مواقف نتنياهو المتوالية، لم تبق من دون رد من قبل الإدارة الاميركية، اذ أوضحت المتحدثة باسم الخارجية، جين ساكي، أن الخلاف القائم بين تل ابيب وواشنطن، يكمن في المستوى التكتيكي، موضحة أن الإدارة الأميركية تؤمن بضرورة التوصل الى خطوة أولى توقف البرنامج النووي الإيراني، وادارة اتفاق على مفاوضات بعيدة المدى.
الا أن الاسرائيليين يرون ضرورة مفاقمة الضغوط من اجل اخضاع ايران دفعة واحدة. بيد أن الادارة الأميركية، بحسب المتحدثة، ترى أن هذه الطريقة غير ممكنة، مضيفة إن هناك مسارين متوازيين هما المسار الدبلوماسي والمسار العسكري، والولايات المتحدة تؤمن بالأول باعتباره الطريقة الصحيحة للتعامل مع القضية النووية الايرانية، وخاصة أن البديل عن ذلك سيكون مواصلة الايرانيين تخصيب اليورانيوم باتجاه انتاج سلاح نووي.
في الإطار نفسه، ذكر مراسل صحيفة «يديعوت احرونوت» في الولايات المتحدة، يتسحاق بن حورين، أن الإدارة الأميركية أوضحت أن الطريقة التي تقترحها اسرائيل من أجل إخضاع ايران، عبر العقوبات، يمكن ان تؤدي الى الحرب، لا الى حل ممكن للبرنامج النووي الايراني. ونقلت عن مصدر اميركي قوله إن الاتفاق الاولي المطروح مع ايران سيمنعها من التقدم، بل ايضاً «ستتراجع الى الوراء» في قضايا مفتاحية، مشيراً الى ان الصفقة ستزيد المسافة الزمنية التي تفصل ايران عن حافة القدرة على انتاج القنبلة النووية.
اما بالنسبة إلى المخاوف الاسرائيلية، فقد حذّر وزير الجبهة الداخلية، في حكومة نتنياهو، غلعاد اردان، من أن اي «اتفاق مرحلي (مع ايران) قد يتحول الى اتفاق دائم بعد تخفيف العقوبات الدولية»، مضيفاً انه سيتعين على اسرائيل في مثل هذه الحالة مراقبة ما يجري في ايران، واتخاذ القرار بشأن طريقة العمل المطلوبة لمنعها من التحول الى تهديد وجودي ومنع سباق تسلح نووي في المنطقة».
في سياق متصل، ذكرت مصادر اسرائيلية أن عدداً من اقطاب الكونغرس الأميركي وافقوا خلال نهاية الاسبوع، على طلب الرئيس أوباما عدم توسيع رقعة العقوبات المفروضة على ايران، من أجل افساح المجال امام الادارة الأميركية لمواصلة المفاوضات مع طهران.
في الوقت نفسه، ذكرت صحيفة «معاريف»، أن هناك خلافات بين ادارة اوباما، ومستويات مهنية، بينها نائب وزير الخارجية الأميركي، وندي شيرمان المسؤولة عن ملف المفاوضات مع ايران، حول الطريقة والمطالب التي ينبغي طرحها أمام طهران، بسبب الخوف من ارتكاب «خطأ تاريخي»، وخاصة أن تخفيف العقوبات المطروحة يمكن ان يكون «بلا رجعة»، وبالتالي سيمنح الاتفاق المرحلي الشرعية لإيران كدولة حافة نووية، لكن الصحيفة اضافت انه بالرغم من هذا الخلاف، تواصل شيرمان تمثيل موقف الإدارة على نحو مخلص في المحادثات مع ايران، وتنفذ التعليمات التي تأتيها من الأعلى.
وفي سياق الحملات الداخلية ضد أوباما، ذكرت «يديعوت أحرونوت» أيضاً، أن «لجنة الطوارئ من أجل اسرائيل» الأميركية المحافظة، وزعت الخميس الماضي تقريراً متلفزاً بعنوان «خطوة اوباما باتجاه الحرب»، تهاجم فيه اوباما «لأنه لم يكن صادقاً في الالتزامات التي تعهد بها، بما فيها القضية الايرانية».
الى ذلك، في الوقت الذي وصف مراسل صحيفة «هآرتس» في الولايات المتحدة، حامي شاليف، اسرائيل كمن اصيبت بالانهيار العصبي، وبانها تبدو في واشنطن كدولة أصيبت بالهستيريا التي أفقدتها السيطرة على ما تقوله، رأى المعلق السياسي في صحيفة «يديعوت احرونوت» ناحوم برنياع، ان مشكلة اسرائيل لا تتلخص في شخص الرئيس اوباما، او مشروع معين، بل في أن السياسة الاميركية باتت مريضة، مفسرا ذلك بأن الاقتصاد الاميركي لم يعد يستطيع تجسيد الأحلام التي حققها في الماضي، والمجتمع الأميركي يجد صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد.
وذكّر بأنه منذ سنوات طويلة تحدث المؤرخون عن هبوط الولايات المتحدة، وخاب ظنهم، لكن يحتمل الا يكونوا قد أخطأوا، بل سبقوا أوانهم فقط، معبّراً عن أسفه من أن نتنياهو يكثر جداً، الى حد التعب، من عرض عضلات ليست له.