نجحت الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية على الأقل في تخفيف نسبة السرقة العالية هناك. هذا شيء جيد. حالياً أصبح بإمكاني النوم ملء جفوني لأنني لم أعد مضطراً للركض باتجاه الشرفة المطلة على الشارع في حال سماع صوت خفيف، لأرى إذا كانت دراجتي النارية لا تزال في مكانها. الآن، وبفضل الانتشار الكثيف للقوى الأمنية في الضاحية ولمصادفة وجود أحد حواجز قوى الأمن الداخلي على «باب الزاروب» الذي أسكنه، فإن «أفخم» سارق لن يجرؤ لى «الاسترزاق » بدراجتي. المهم في الموضوع أن تدنّي السرقة انعكس سلباً على أصدقائي «الحرامية». فقد خفّ عملهم كثيراً، وبعضهم بدأ يفكر بترك هذه «المصلحة»، والتفتيش عن عمل يكسبه مالاً حلالاً. آخرون لا يزالون مصممين على مواصلة ما اعتادوه. لكن كثافة عناصر قوى الأمن أجبرتهم على تغيير عاداتهم. إذ إن «حرامية المنطقة» معروفون للجميع.
غيّر أصدقائي طريقة تسويق بضاعتهم، أي الدراجات التي يسرقونها. فتوقفوا عن عادة قيادتها في العلن، بهدف لفت النظر لبيعها. حالياً يعتمدون على بيع دراجاتهم المسروقة على «الواتس آب». يعرضون صورها على التطبيق وينشرون الخبر بين معارفهم أن الدراجة معروضة للبيع بسعر «محروق» لأنها بدون أوراق قانونية. في أيام العز عندما كانت الدولة بعيدة عن «العين والقلب»، كان شغل أصدقائي السارقين «متل النار». في إحدى المرات، عرض عليّ أحدهم شراء دراجة مسروقة، سعرها الأصلي 4500 دولار أميركي. صديقي السارق الذي يدّعي حرصه عليّ قال إنه سيبيعيني إياها بألف دولار. ولكي تصبح دراجتي قانونية وشرعية يمكنني أن أدفع ألف دولار أخرى لشراء هيكل قانوني ووضع محرك الدراجة عليه، وبهذه العملية أكون قد وفرت 2500 دولار. بالطبع، لم أقبل بالفكرة، ولأنني تعرضت للسرقة من قبل فإنني أعرف شعور من قد أشتري دراجته المسروقة.
عملية تبديل هياكل الدراجة سهلة ولا تتطلب الكثير من الوقت. فبعد تأمين الهيكل ووضع المحرك في الهيكل الجديد، تبدأ رحلة البحث عن طريقة للتخلص من هيكل الدراجة المسروقة. بقاؤه عندك دليل ضدك على أنك اشتريت شيئاً مسروقاً. في إحدى الليالي شاهدت كيف تجرى العملية. استغل أحدهم انقطاع التيار الكهربائي، وكانت الإنارة الموجودة أضواء الولاعات. فككت الدراجة بسرعة خارقة داخل محل مغلقة أبوابه. لحظات حتى يبدأ «حرامية »المنطقة بالتوافد. يمكنك تمييزهم من أصوات دراجاتهم. يطرقون الباب بطريقة خاصة لنعرف أن الطارق هو من أهل الدار. في اللحظة التي فككت فيها الدراجة كان السارقون حاضرين.
حالياً، بعد انتشار القوى الأمنية، أغلب الذين أعرفهم من السارقين أوقفوا عملهم. بدأوا «مصلحة» جديدة هي الاتجار بالممنوعات: حشيش، حبوب، «سيمو». لكن حتى هذه المصلحة الجديدة التي اعتنقها أحدهم تعاني من مشكلة. إذ إن سعر «السيمو» ارتفع خصوصاً بعد توقف تهريبه من سوريا. إما الاتجار بحشيشة الكيف، فهي الأخرى أصبحت خطيرة. إذ إن القوى الأمنية تقوم بتفتيش الدراجات النارية وتفتح الأكياس المغلقة. في السابق، لم يكن هناك أي تشديد على هؤلاء. حالياً هم يشكون سوء الأحوال الاقتصادية.
أصدقائي السارقون يكرهون الإرهابيين الذين فجروا في الضاحية. ببساطة لأنهم قطعوا لهم رزقهم.

يمكنكم متابعة قاسم س. قاسم عبر تويتر | @QassemsQassem