تونس - لا شيء يؤكد أن تونس يمكن ان تتجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية بعدما ازداد الوضع غموضاً في أعقاب قرار حزب التكتل من أجل العمل والحريات، حليف حركة النهضة في السلطة، بتعليق عضوية نوابه في المجلس الوطني التأسيسي الذي يرأسه أمينه العام مصطفى بن جعفر.
ويتضمن تعليق العضوية أشغال اللجان والجلسة العامة، ما سيحرم «النهضة» وحلفاءها الحصول على نسبة الخمسين زائداً واحداً في التصويت لتمرير القوانين. في الوقت نفسه، انسحب نواب المعارضة من جديد من المجلس.
ودفع كل من «النهضة» وحليفها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والأحزاب المنشقة عنه في المجلس التأسيسي (التيار الديموقراطي وحركة وفاء) إلى تعديل النظام الداخلي للمجلس بما يمنح حركة النهضة كل السلطات التي تمكنها من عقد جلسات عامة من دون حضور الرئيس، اضافة الى عقد جلسات اللجان بحضور ثلاثة أعضاء فقط من «النهضة»، وهو ما يعني عملياً أن النهضة ستكون هي الخصم والحكم في ذات اللحظة. خطوة من شأنها القضاء على أي سلطة ممكنة للمعارضة في المجلس، بل القضاء حتى على دور حليفها حزب التكتل من اجل العمل والحريات. في وضع كهذا لم يعد مكتب المجلس (وهو السلطة العليا التي توافق على تحديد مواعيد مناقشة القوانين والجلسة العامة)، يحتاج الى حضور رئيس المجلس وجوباً مع تسعة أعضاء، بل أصبح يكفي حضور خمسة أعضاء فقط. ومن خمسة أعضاء يكفي حضور ثلاثة فقط وهو عدد أعضاء كتلة النهضة في مكتب المجلس، للدعوة الى جلسة عامة او عرض مشاريع قوانين.
وبالتالي أصبحت «النهضة» بموجب هذا التعديل هي المتحكمة الوحيدة في المجلس التأسيسي. وذهب نوابها الى أكثر من ذلك، إذ أصبح الغياب عن ثلاث جلسات متتالية من المجلس موجباً للطرد وتعويض النائب المتغيب.
وبدا واضحاً ان كتلة النهضة من خلال هذا التنقيح أرادت تحجيم دور رئيس المجلس مصطفى بن جعفر، الذي لن يغفر له تعليقه لأشغال المجلس طيلة أسابيع بعد اغتيال الزعيم الناصري محمد البراهمي،
نواب المعارضة ونواب التكتل من اجل العمل والحريات، أطلقوا صرخة فزع، وعدّوا ما أقدمت عليه «النهضة» انقلاباً حقيقياً ضد الانتقال الديموقراطي، اذ إن هذه التنقيحات تُفقد المعارضة أي دور في المجلس التأسيسي.
والمثير في الأمر أن نواب المعارضة المنسحبين عادوا الى المجلس على أمل انتزاع موافقة الأغلبية الحاكمة على تنقيح القانون المنظم للسلطة العمومية، لتوفير حماية للحكومة التوافقية، التي تسعى المعارضة الى فرضها، وذلك بتغيير نسبة سحب الثقة من النصف زائداً واحداً الى الثلثين.
لكن زعماء وقادة المعارضة رأوا ان ما حدث أول الأسبوع في المجلس التأسيسي انقلاب واضح يعكس الروح الفاشية لحركة النهضة، حسبما جاء في تصريح زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي.
أما النائب عن حركة نداء تونس المعارضة، خميس قسيلة، فقد طالب بالتراجع الفوري عن هذه التنقيحات لمواصلة الحوار الوطني المعطل منذ يوم الاثنين.
في هذا المناخ المتوتر كشفت هيئة الكشف عن الحقيقة في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، حقائق مفزعة ينتظر ان تكون لها انعكاسات خطيرة على المشهد السياسي في تونس. فقد اعلن المتحدث الرسمي باسم الهيئة المحامي نزار السنوسي، ان السلاح الذي استُعمِل في اغتيال قادة الجبهة الشعبية هو من نوع «بيرتا»، وهو سلاح فردي يستعمله ضباط الإدارة العامة للأمن الوطني في وزارة الداخلية، الذين يرتدون الزي المدني دون سواهم. وهو ما يجعل من الداخلية متهمة مباشرة في الاغتيالين ويحول الجريمتين الى جريمة دولة.
في هذا السياق، أعلن السنوسي أن الهيئة ستقاضي وزير الداخلية لطفي بن جدو، لانه تكتم على التحليل «الباليستي» الذي أُنجز في هولندا وقد قدمت هولندا نتائج التحليل منذ منتصف شهر تموز، لكن جناحاً في وزارة الداخلية تكتم على هذا التقرير الخطير.