عاشت قرية عرنة في السفح السوري من جبل الشيخ يومين من المعارك الضارية. البلدة التي بقيت محيّدة عن الحرب السورية إلى نحو قبل شهرين، باتت في حالة حرب دائمة، بعد هجوم هو الثاني شنّته المعارضة السورية المسلحة عليها.
في الخامسة من فجر أول من أمس، شنّ عناصر من «حركة أحرار الشام» و«لواء جبل الشيخ» التابع لـ«ألوية أحفاد الرسول» وعناصر «جبهة النصرة» هجوماً ضارياً على عرنة من جهة الغرب، وهجوماً آخر بالتزامن على موقع حربون للدفاع الجوي التابع للواء 90 في الجيش السوري، والمتاخم لها.
ليس باستطاعة المعارضة المسلحة السيطرة على مواقع ومستودعات اللواء 90، وهو لواء مستقل مهمته حماية جبل الشيخ من العدو الإسرائيلي، من دون السيطرة على بلدتي عرنة أو حضر. إذ تشكلان مع اللواء مثلثاً جغرافياً يمنع اسقاط أي من أضلاعه. وفي الوقت نفسه، قد تقلب سيطرة المعارضة على اللواء 90 سير المعارك رأساً على عقب في محافظة القنيطرة، نظراً لأهميته الاستراتيجية، وتالياً إيقاف عملية الهجوم التي يقودها الجيش السوري في أغلب قرى القنيطرة وغربها تحديداً، بالتزامن مع عمليات ريف دمشق. إذ بدأ الجيش بتنفيذ عمليات برية حاسمة في قريتي جباتا الخشب وخان أرنبة، تمهيداً لقطع طريق المسلحين ومنعهم من التواصل مع الجيش الإسرائيلي عبر السيطرة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، كذلك منعهم من إدخال جرحاهم إلى الداخل الفلسطيني المحتل. ويعمد الجيش منذ أسبوع إلى قصف مواقع المسلحين في بيت جن ومزرعة بيت جن بالمدفعية الثقيلة التابعة للواء 68 والطائرات الحربية من دون تدخل قوات برية، تمهيداً لعملية القضم في المرحلة المقبلة. وتشير المصادر إلى أن الهجوم على عرنة وتلة حربون هدفه تخفيف الضغط والقصف عن المسلحين في بيت جن وإرباك عمليات جباتا الخشب وخان أرنبة. وتمكنت قوات المعارضة، ظهر أمس، من السيطرة على مدخل الموقع، قبل أن تقوم الحامية باسترداده، وإجبار المهاجمين على الابتعاد. وبالتزامن، صدّت اللجان الشعبية في عرنة وقلعة جندل والريمة الهجوم على عرنة. وتقول مصادر في البلدة إن «الهجوم أوقع 11 شهيداً من الجيش وأكثر من 21 جريحاً وثمانية شهداء من أبناء عرنة وقلعة جندل، وأعداداً كبيرة من الضحايا في صفوف المسلحين».
ولم يعد خافياً أن عمليات تهريب السلاح والمؤن وجرحى المعارضة المسلحة في جبل الشيخ تتم عبر معبرين أساسيين هما بلدة عيحا في راشيا، وبلدة شبعا في حاصبيا، على مرأى من مرصد جبل الشيخ التابع للجيش الاسرائيلي. هذه المرة، وصل صدى المعارك إلى المقلب اللبناني من الجبل. إذ برزت حالة من الامتعاض والغضب بين المشايخ والأهالي، هي الثانية في منطقة راشيا (اعترض الأهالي قبل نحو أربعة أشهر على إدخال جرحى من المعارضة أصيبوا في معارك مع بلدة حضر) والأولى في حاصبيا، جراء الأخبار عن دخول المعارضة المسلحة إلى قرية عرنة الدرزية وارتكاب مجزرة فيها، وسقوط شهداء من عرنة لهم أقارب في راشيا. وأشارت مصادر أمنية إلى «أن حالة التوتر انتهت بعد ظهر أمس بعد وصول أنباء عن صدّ أهالي عرنة الهجوم».
وخلافاً لما أشيع، لم يتمّ قطع أي طريق في منطقة راشيا. بل اقتصر الأمر على اتصالات كثيفة تولتها استخبارات الجيش اللبناني والقوى السياسية للتخفيف من ردّات الفعل المحتملة في حال نقل الصليب الأحمر الدولي جرحى المعارضة المسلحة عن طريق راشيا. وعلمت «الأخبار» أن مسؤولاً بارزاً في الحزب الاشتراكي أبلغ مسؤولي الجماعة الإسلامية في وادي التيم صعوبة إمرار الجرحى عبر راشيا، خوفاً من ردود الفعل. إلّا أنه تم نقل جرحى المعارضة التسعة (أحدهم أصيب في معركة سابقة) عبر ممر عين الجوز في شبعا ثم الهبارية ــ زمريا ــ كفرمشكي ــ وادي مشق ــ إلى مستشفى فرحات في جب جنين. وقال النائب السابق فيصل الداوود إن تحويل السير «شكل خطوة وقائية خوفاً من طابور خامس يفتعل إشكالاً بين قرى راشيا وحاصبيا والبقاع الغربي»، متخوفاً من «تحول شبعا إلى بؤرة للتكفيريين ودعمهم بالسلاح والمؤن من قبل قوى محلية»، ولم «يستبعد وقوع ردات فعل من قبل دروز المنطقة رداً على الهجوم على القرى الدرزية على المقلب الآخر من جبل الشيخ».
وكان الجيش اللبناني قد نفذ انتشاراً على الحدود خوفاً من دخول مسلحين إلى الأراضي اللبنانية هرباً من المعارك. في حين، أشارت مصادر عسكرية سورية إلى أن «عملية حسم المعارك في جبل الشيخ ستتم قريباً».
من جهته، نعى حزب التوحيد العربي أربعة من شهدائه من أبناء بلدتي عرنة وقلعة جندل. ودعا رئيس الحزب الوزير السابق وئام وهّاب «أبناء راشيا وحاصبيا للذهاب والقتال إلى جانب الجيش السوري وأهالي منطقة جبل الشيخ»، محذّراً من «أن جنوب لبنان ليس كشماله».