منذ تسلّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زمام الحكم في البلاد قبل أكثر من عام ونصف عام، وما رافق ذلك من تباعد بين مؤيدي «30 يونيو» (2013) بالتوازي مع تنامي الشعور بالإحباط بين معظم من شارك في «ثورة يناير» (2011)، ترتفع الأصوات المنددة والرافضة لعودة مصر إلى زمن «حكم الرجل الواحد».وتزامن ذلك مع إخفاق «خريطة الطريق» التي أعلنها السيسي (وزير الدفاع آنذاك) في صيف 2013، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في تحقيق معادلات سياسية من شأنها مدّ الحياة السياسية في الجمهورية بالحيوية. بل إنّ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقبلها إقرار دستور جديد وسلسلة من القوانين الإشكالية، كانت قد أعطت براهين إضافية على توجه الحكّام الجدد نحو إحكام غلق المجال السياسي العام.
تحدّث تقرير نُشر أخيراً، أعدّه ناشطان سياسيان مصريان وتناول مسألة «التغيير القادم في مصر»، عن «عودة سياسات دولة مبارك، (دون عودة) الهيمنة الكاملة لقائد يملك كل السلطة»، وعن إخفاق «طرق الدولة في تصدير الفزاعات»، إضافة إلى انتقال «قطاع من مؤيدي الرئيس من خانة أنّ السيسي سيجعل مصر أمّ الدنيا، إلى خانة تعتبر أنه ربما ليس أفضل أداء لكن لا بديل له». وخلص التقرير إلى أنّ مصر دخلت في «مرحلة شبيهة بعام ٢٠٠٥ حين بدأ غروب عصر مبارك... مرحلة الإحباط والشك الذي يتحول تدريجاً إلى غضب».
في ظلّ هذا الواقع، طَرحت في بداية الشهر الجاري مجموعة من القوى السياسية «المدنية»، يتقدمهم السياسي المعارض حمدين صباحي، «نداءً للشعب المصري... لصنع البديل الحقيقي».
وفيما من الطبيعي أن يلاقي طرح كهذا أصداءً متناقضة، فإنه نجح في تحريك «المياه الراكدة» في البلاد كما تقول شخصية مصرية لـ«الأخبار». ومن بين الأصداء، اعتبار فئة معينة أنّ السلطة المصرية «راضية ومستفيدة»، لأن ذلك يساعدها على «خلق حراك سياسي، يمكن ضبطه، خصوصاً عقب إخفاق البرلمان المتشكّل على صورة السلطة في تفعيل الحياة السياسية عبر آليات مسموح بها».
نائب مصري: ما معنى البديل؟ كلمات مبهمة تحتاج التفسير من صباحي

أي «بديل»؟

تقوم المبادرة التي طرحتها «اللجنة التحضيرية لتوحيد القوى الوطنية المدنية» على أنّ «من أخذوا على عاتقهم النضال... وجدوا أنفسهم في حاجة ماسّة إلى بناء بديل حقيقي عبر تكوين وتعزيز حزب وجبهة وشبكة اجتماعية عريضة تُسهم فيها قوى وطنية ومدنية ونزيهة مدعوة جميعا للتضامن والتكاتف، وتجاوز أخطاء الماضي... متخلصين من الاستسلام لواقع لا يفارق الماضي البغيض ويراد فرضه عنوة، ومن بديل زائف لا يزال يطرحه تيار ينتهك جلال الدين وقدسيته بتوظيفه في تحصيل السلطة والثروة». وتشير إلى أنّ الشعب «لا يرى (راهناً) إلا خياراً واحداً... الذي حددته السلطات».
يشرح السكرتير العام للمبادرة، طارق سعيد، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ المبادرة أطلقت لضرورة «وجود بدائل متعددة في السياسة، والاقتصاد»، مضيفاً في الوقت نفسه: «لا نعوّل على أيّ ردّ فعل إيجابي من السلطة، بل نعوّل على ردّ من الناس الذين توجهنا إليهم بصورة رئيسية».
وبشأن الآليات التنفيذية المتبعة، يوضح القيادي في «التيار الشعبي»، حسام مؤنس، في سياق حديثه إلى «الأخبار»، أنّ المبادرة تقوم في أحد جوانبها على توحيد «تيارين أساسيين» هما «التيار الشعبي (حمدين صباحي)، وحزب الكرامة»، لافتاً إلى توجّه نحو إنشاء «كيان حزبي واحد، مع قابلية لانضمام أطراف أخرى». وعن ذلك، تشير شخصية فعّالة ضمن المبادرة، إلى أنّه «يعقد في الوقت الحالي اجتماعات شبه يومية لإعداد الهيكل التنظيمي للمبادرة ولجانها المختلفة، توازياً مع سلسلة لقاءات للرموز المشاركة، من أجل التعريف بها وطرحها».
من جهة أخرى، ينفي المنضوون تحت عباءة الحراك السياسي الجديد اتهامات تساق في الشارع المصري، وتقول إنّ «هناك أجنحة في الدولة وراء فكرة البديل، بفعل عدم التمكن من إحياء الشارع المصري، وبخاصة بعد إجراء الانتخابات الأخيرة». وفيما يكتفي بعضهم، بالرد: «تعودنا على ذلك»، يشير مؤنس إلى أنّ ردّ فعل السلطة جاء سلبياً من الأساس. ويقول إنّ بالإمكان تبيّن ذلك من «هجوم بعض الإعلام، والمؤيدين، والداعمين» للسلطة.
المبادرة قوبلت بردّ فعل سلبي خصوصاً من أعضاء البرلمان القائم حالياً، لاعتبار بعضهم أنّ الحديث عن «بديل» يأتي من باب تقديم شخصية تقف في وجه الرئيس المصري، لتكون «بديلاً منه». ويقول النائب، أشرف رشاد، لـ«الأخبار»: «أنْ يكون هناك اتحاد للقوى المدنية من أجل توحيد الصف والبناء، فهذا شيء محمود ومتفق عليه، لكن ما لا نتفق عليه هو أن يكون هناك فرقة بالصف... من خلال عبارات مبهمة». ويتساءل: «ما معنى البديل؟ عدة كلمات مبهمة تحتاج إلى تفسير من حمدين صباحي».
رداً على ذلك، يشير طارق سعيد، إلى أنّ الطرح ليس «من يحكمنا، بل الطريقة التي يحكمنا بها». وفيما يرى الصحافي، عبد الله السناوي، أنّ المطروح يندرج ضمن «قيم الدستور المصري»، خصوصاً أنّ «البديل المقصود هو طرح، وليس بديلاً من الرئيس السيسي»، فمن المهم الإشارة إلى أنّ إحدى الشخصيات الفعّالة ضمن المبادرة، توضح أنّ «حمدين صباحي واجهة للمبادرة، لكنها ليست نتاجه وحده... المبادرة صاغها الكاتب والباحث عمار علي حسن... هي خلاصة جهد وحوار جماعي لعدد من الرموز الوطنية داخل تحالف التيار الديموقراطي المكوّن من عدة أحزاب، إضافة إلى أحزاب أخرى خارج التحالف».

طرحٌ في زمن «الانحسار»

يوم تقلّد عبد الفتاح السيسي السلطة في بلاده، رأى بعض المتابعين أنّ حفل تسليم السلطة أعاد بعض الاعتبار والهيبة إلى موقع الرئاسة المصرية. كان الموقع قد تعرّض، بفعل الظروف السياسية، إلى عدد من الهجمات والانتقادات، ما قلّص هيبته. على سبيل المثال، يقول صحافي مصري في سياق الحديث عن أزمة الصحافة المحلية: «يرحم أيامك يا مرسي... على الأقل كنا بنشتغل»، في إشارة إلى عجز السلطة آنذاك عن ضبط الحياة السياسية.
أحكمت هذه السلطة قبضتها، ما أنتج أيضاً انقساماً داخل «معسكر 30 يونيو» كما تقول شخصية سياسية، على اعتبار أنّ «أحداً لم يفوّض إلى آخر إدارة الدولة في ما بعد». ومنذ ذلك الوقت، لوحظ تسجيل تراجع في شعبية السيسي، وهناك من يستدلّ على ذلك بالعودة إلى العجز عن حشد الناخبين قبل أشهر للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.
ويعيد آخرون أسباب تراجع شعبيته إلى عدم تحقيق المشاريع الاقتصادية والفعاليات المخصصة لدعم الاقتصاد المصري، ما هو مرجوٌّ منها. وفي هذا الصدد، ترى أستاذة تاريخ الشرق الأوسط في جامعة «أوبرلين» الأميركية، زينب أبو المجد، أنّ «فكرة تركيز نظام السيسي على المشاريع الضخمة، واستخدامها في الدعاية السياسية على حساب مشروعات اقتصادية متوسطة حقيقية تخلق وظائف وتنتج نمواً، انتقدها العديد من الاقتصاديين المصريين»، مضيفة أنّ «مشاريع مثل قناة السويس الجديدة ثبت فشلها اقتصادياً، لأنّه بعد إنفاق معظم مخزون الدولار في البلد على حفر التفريعة خلال عام واحد، فإنّ دخل القناة انخفض الآن، وتعاني البلاد أزمة دولار حادة».
تشرح أبو المجد أنّ «مشروعاً ضخماً آخر، هو العاصمة الإدارية الجديدة، فشل في مهده، ومشاريع مثل مليون وحدة سكنية أو استصلاح مليون فدان... جميعها دعاية سياسية، وفي النهاية تسند إلى مؤسسات الجيش الاقتصادية التي تنجز بعضها فقط، وتحقق أرباحاً، ولا تصل إلى الهدف الضخم المعلن».
قد تؤمّن هذه الأوضاع ظروفاً ملائمة لطرح «بديل»، لكنّ أستاذة العلوم السياسية في «الجامعة الأميركية» في القاهرة، رباب المهدي، ترى أنّ «المحاولة خالية من أي مضمون، ولا تحمل أي رؤية تنفيذية»، بل تذهب إلى أنها «مجرد محاولة لإثبات الوجود في ظل حالة الانحسار السياسي التي تعيشها مصر»، وأنّ «الانحسار» هو «النتاج الطبيعي لمحاولة غلق المجال العام».




حسن نافعة: على صباحي ترك المجال للشباب

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة «القاهرة»، حسن نافعة، أنّ «محاولة تحقيق تجمّع من القوى المدنية، يواجه التيار الإسلامي، وفي الوقت عينه يبعد نفسه عن المؤسسة العسكرية، مسألة مبررة داخلياً». لكنه يتساءل: «هل حمدين صباحي هو الشخص القادر على تجميع هذه القوى... أم أنّ الأمر يحتاج إلى قوى شبابية لملء الفراغ الناجم عن الصراع القائم بين الإخوان المسلمين وبين المؤسسة العسكرية»، التي يشير إلى أنها تتذرع بذلك «لتضييق المجال العام».
ويلفت نافعة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «هذا المأزق» الناجم عن الفراغ «يحتاج إلى معاملة أخرى». ويقول: «هل حمدين صباحي، بحكم تاريخه وأخطائه التي ارتكبها ودوره الذي استهلك، قادر على ذلك؟ أشك. عليه أن يتراجع لتمكين القوى الشبابية من التقدّم». ويختتم بالقول: «إذا أصرّ، سيفشل».