منذ اجتماع السابع من أيار عام 2012 في موسكو بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، الذي أرسى الاتفاق على أحادية الحل السياسي في سوريا عبر مؤتمر «جنيف 2»، لم يعد للموفد الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي أيّ دور رئيسي على خط الأزمة السورية. حاله حال «المباركة» العربية لحراكه.
جامعة الدول العربية، التي وضعتها دمشق في خانة الخصوم، عقد وزراؤها أمس في القاهرة اجتماعاً طارئاً مخصصاً لبحث تطورات الأزمة السورية.
اجتماع غاب عنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي دعت بلاده إلى عقد الاجتماع، عندما كان الاتجاه الدولي يشير إلى عدم انعقاد مؤتمر جنيف 2 قريباً. وكانت الرياض تريد استخدام الاجتماع لحث الدول العربية على تشجيع المعارضة السورية على عدم المشاركة في المؤتمر. انقلبت وجهة الرياح الغربية والروسية، فغاب سعود الفيصل، الذي اضطر إلى البقاء في الحجاز لاستقبال وزير الخارجية الأميركي جون كيري الآتي من القاهرة، في ظلّ علاقات متوترة بين البلدين بسبب تمايز موقفيهما من الأزمة السورية.
وبسحر ساحر، صار الاجتماع يهدف إلى تشجيع المعارضة السورية على حضور مؤتمر «جنيف 2»، ودعم موقف «الائتلاف» التفاوضي، بحسب ما قال الأمين العام للجامعة نبيل العربي. لكن غياب الفيصل عوّضه حضور رئيس «الائتلاف»، السعودي الهوى، أحمد الجربا، الذي وضع شروطاً للمشاركة في جنيف 2: وجود سقف زمني واضح لنقل السلطة كاملة، وعدم مشاركة إيران. وفي تماهٍ مع المواقف السعودية تجاهها، دعا إلى اعتبار إيران قوة احتلال لسوريا، واصفاً إياها بـ«نظام الملالي». وأكّد فيها أن المعارضة «اتخذت قراراً بألا تدخل المؤتمر (جنيف) إلا موحدة»، مطالباً الدول العربية بـ«قرار واضح بمد الشعب السوري بالسلاح»، مضيفاً: «نحن على استعداد لتقديم كل الضمانات بألا يصل هذا السلاح إلى الأيدي الخطأ».
الوزراء العرب، في ختام اجتماعهم، لم يذكروا إيران، كما لم يعدوا بإرسال السلاح إلى المعارضة السورية. فهم لم يتخطّوا سقف بيان «أصدقاء سوريا» في لندن قبل أسبوعين. إذ دعوا «جميع أطراف المعارضة السورية بقيادة الائتلاف الوطني إلى التجاوب مع الجهود المبذولة لعقد مؤتمر «جنيف 2»، والتعجيل بتشكيل وفدها لحضور هذا المؤتمر».
وأكد الوزراء في بيانهم الختامي «الموقف العربي الداعم للائتلاف وموقفه التفاوضي المطالب بالضمانات الدولية اللازمة لرعاية وإنجاح مسار الحل السلمي لمؤتمر جنيف، وذلك بما يكفل التوصل إلى الاتفاق على تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة».
وشدّد الوزراء العرب على ضرورة «تشكيل هيئة الحكم الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة، بما فيها السلطة على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وذلك خلال فترة زمنية محددة وبالتوافق بين جميع الأطراف».
وأكد المجتمعون ضرورة «اعتماد نتائج مؤتمر «جنيف 2» من قبل مجلس الأمن، والعمل على تنفيذها واتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من يحاول إعاقة تنفيذ بنودها».
وعبّر المجلس عن دعمه لمهمة المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي «وما يقوم به من جهود، مع التأكيد على ضرورة تضافر الجهود ومواصلة المساعي العربية والدولية لضمان عقد مؤتمر جنيف في أقرب الآجال».
من جهته، أكّد وزير الخارجية القطري، خالد العطية، «ترحيب بلاده بعقد مؤتمر جنيف للتوصل إلى حل سياسي»، إلا أنّه شدّد على ضرورة اتخاذ «موقف عربي موحد بشأن عملية التفاوض»، حتى لا يتم إعطاء «فرصة أخرى للنظام السوري للتلاعب بالشعب السوري».
وتمهيداً لهذا الاجتماع، كان الأمين العام للجامعة نبيل العربي قد التقى، أول من أمس، رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا، في القاهرة، حيث اعتبر العربي أنّه لن يكون ممكناً الحديث عن موعد محدد لمؤتمر «جنيف 2» قبل الاجتماع الذي سيعقده الأخضر الإبراهيمي الثلاثاء المقبل في جنيف، مع مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن.
كذلك تلقت الدول الراغبة بالمشاركة في جنيف 2 (وبينها لبنان) دعوة للمشاركة في الاجتماع التحضيري التشاوري لكبار الموظفين لمؤتمر جنيف 2، يوم الثلاثاء المقبل في جنيف. وقد كلف وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور سفيرة لبنان لدى المنظمات الدولية للأمم المتحدة في جنيف نجلا رياشي عساكر، لحضور هذا الاجتماع.

دمشق تردّ على كيري

في سياق آخر، صرّح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية، أمس، بأنّ تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، التي وصفها بـ«التدخل السافر» في الشؤون السورية، «من شأنها إفشال مؤتمر جنيف قبل انعقاده»، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وجاء ذلك بعد ساعات من تصريح لكيري تحدث فيه عن صعوبة أن يكون للرئيس السوري بشار الأسد دور في المرحلة المقبلة في سوريا، بسبب «فقدانه لسلطته المعنوية». وأضاف المصدر: «إذا كانت الولايات المتحدة صادقة بالتعاون مع روسيا الاتحادية في رعاية مؤتمر جنيف، فإن على كيري أن يفهم أن الشعب السوري وحده صاحب الحق في اختيار قيادته ومستقبله السياسي من دون أي تدخل خارجي».
وقال كيري، أمس، في مستهل جولة في المنطقة بدأها من القاهرة، «إننا جميعاً نشترك في الهدف وهو تشكيل حكومة انتقالية يمكنها أن تعطي شعب سوريا الفرصة لاختيار مستقبله». وتابع «إننا كذلك نعتقد أن الأسد بسبب فقدانه لسلطته المعنوية لا يمكن أن يكون جزءاً من ذلك... لا أحد لديه إجابة عن السؤال كيف يمكن إنهاء الحرب طالما أن الأسد موجود هناك».

عبد الله الثاني: اللاجئون يستنزفون مواردنا

إلى ذلك، دعا الملك الأردني، عبد الله الثاني، المجتمع الدولي إلى الإسراع بمساعدة بلاده في تحمّل أعباء حوالى 600 ألف لاجئ سوري، يشكّلون «استنزافاً» لموارد المملكة المحدودة و«ضغطاً هائلاً» على بنيتها التحتية.
وقال، في خطاب العرش أمس، «إذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى مساعدتنا، فإنني أكرر وأؤكد أن الأردن قادر على اتخاذ الإجراءات التي تحمي مصالح شعبنا وبلدنا».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)