من المتوقع أن يسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى التخفيف من حدّة التوتر الذي نشأ أخيراً مع السعودية، حليف واشنطن التاريخي في المنطقة، وذلك بعد بروز بعض الخلافات حول إيران وسوريا. ورغم نفي واشنطن المتكرر، تشهد العلاقات الأميركية ـ السعودية فتوراً بسبب الملف السوري والتقارب الاميركي مع إيران. وحول تلك التباينات، يقول عبد العزيز بن صقر «رئيس معهد الخليج للابحاث» إنه «فضلا عن سوريا، فإن الاختلافات متعددة بين الرياض وواشنطن حيال الملف الإيراني في شقّيه النووي والسياسي، وحول العراق، حيث الوضع الأمني منهار، وحول مصر وغيرها». وتابع بن صقر «لقد تخلت المملكة عن الدبلوماسية الهادئة بعدما فهمت الدوافع الأميركية وراء الفيتو على تسليح المعارضة السورية، وبعدما لاحظت أن شيئاً لم يتحقق من الوعود التي تلقتها».
وحول رفض السعودية مشاركة إيران في مؤتمر جنيف، رأى بن صقر أن «الحلّ يكمن في مشاركة منظمات إقليمية مثل الجامعة العربية والتعاون الاسلامي في المؤتمر بدلا من طهران (...) لان مشاركة إيران تبرر مشروعية تدخلها في الشأن العربي».
من جهته، رأى مصدر مقرّب من دوائر القرار في المملكة السعودية رافضاً الكشف عن اسمه أن «هناك مشكلة بين الرياض وواشنطن بسبب إيران وسوريا، لكنني لا أعتقد أنها ستؤثر على نحو كبير على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين (...) وستبقى الامور بينهما تحت سقف الانضباط». وتابع أن «السعودية عاتبت واشنطن لانها تخلّت عن الضربة العسكرية التي كانت تعلق آمالا كبيرة عليها لتغيير الاوضاع ميدانيا، لكنها تعمل الان مع فرنسا على تحقيق تقدم ميداني قبل مؤتمر جنيف 2 عبر تسليح المعارضة غير المتطرفة». وأوضح الدبلوماسي ان الرياض «تعتقد انها قادرة على تغيير الوضع ميدانيا من دون مساعدة الاميركيين».
وعن التعاون مع فرنسا، تابع المصدر أن «رئيس جهاز الاستخبارات العامة الأمير بندر بن سلطان أصبح مسؤولاً عن الاستراتيجية الدفاعية وعن مشتريات الأسلحة»، مشيرا الى أن «التنسيق ممتاز مع فرنسا، التي وقعت صفقة عسكرية مع المملكة بقيمة 1،3 مليار يورو». وتابع المصدر «لقد قرر الملك في اللحظة الاخيرة» الاجتماع مع وزير الدفاع الفرنسي خلال زيارته جدة في السابع من الشهر الماضي، وهذا دليل على «الاهمية التي توليها المملكة لعلاقاتها مع فرنسا».
لكن دبلوماسياً أوروبيا في الخليج أكد أنه «ليس بإمكان أحد الحلول مكان الولايات المتحدة في مسألة أمن المملكة، إذ ما من قوة أوروبية قادرة على ذلك».
من جهته، قال الاكاديمي والباحث خالد الدخيل «لا اعتقد أن من مصلحة السعودية إبقاء التوتر مع الولايات المتحدة، التي لا تزال القوة الابرز في العالم. لا بد من التوصل الى نقطة وسطية، فهذا ضرورة للطرفين». وأضاف «اذا أرادت السعودية النجاح في مساعيها، فإنه يجب ألا تفكر في القطيعة مع واشنطن، لان هذا لن يؤدّي سوى الى مزيد من الخسارة (..) ليس من الضروري تقديم تنازلات، لكن بالامكان التوصل الى تفاهمات». وتابع الدخيل «ثمة هوة واسعة بالنسبة إلى المواقف حول سوريا (...) إذ إن تصورات كل طرف تعكس مصالحه». وختم مشيرا الى أن الاميركيين «يركزون على الجانب السياسي في تصوراتهم لإيران، فهم لا يدركون مغزى توجه طهران التي تحاول تطويق الجزيرة العربية».
أميركياً، وفي مقال في مجلة «ذي فورين بوليسي» عدّد الكاتب سايمون هاندرسن سبع طرق يمكن أن تستخدمها المملكة السعودية لإقلاق راحة واشنطن. ووصف الكاتب تلك الطرق بـ «الكوابيس السبعة التي يجب أن تؤرق المسؤولين في الخارجية وفي البنتاغون». أوّل تلك الكوابيس، حسب لائحة هاندرسن، هو أن تقرر السعودية خفض انتاج النفط ما سيؤدي الى رفع سعره على نحو كبير، الأمر الذي سيتحول الى كارثة اقتصادية جديدة. الطريقة الثانية، هي في لجوء السعودية الى امتلاك السلاح النووي، إما من خلال الإغداق بتمويل باكستان لبناء ترسانة صواريخ باكستانية ذات رؤوس نووية، أو عبر بناء السعودية وحدات لتطوير اليورانيوم وتخصيبه. الكابوس الثالث، دائماً حسب هاندرسن، هو في أن تسهم الرياض في طرد الأسطول البحري الاميركي من شواطئ البحرين، وذلك من خلال تشجيع حكّام المنامة على الأمر. الكابوس الرابع هو إمداد المقاتلين في سوريا بأسلحة ثقيلة من بينها صواريخ أرض جوّ وتوزيع الأموال عليهم على نحو أكبر. الطريقة الخامسة هي في تحريك المملكة انتفاضة جديدة في فلسطين المحتلة، ولعب ورقة «القضية العربية» ما سيكسبها شعبية في الداخل وفي المنطقة. الطريقة السادسة، حسب هاندرسن، هي في دعم السعودية مالياً وسياساً حكم العسكر في مصر، وتشجيعهم على القضاء على الإخوان المسلمين وكل المعارضين لسياستهم. الكابوس السابع والأخير هو أن تطالب السعودية بـ«مقعد إسلامي» في مجلس الأمن، وأن تقود حملة بغية تحقيق الأمر، فيما قد تتهم الولايات المتحدة بـ «معاداة الإسلام» إذا لم توافق على الطرح السعودي. لكن، هندرسن، وبعد عرض لائحة «الكوابيس»، أشار الى أنه فيما «يحلّ التوتر في العلاقات الأميركية ـ السعودية في أولوية اهتمامات المملكة، الا أن هذه الأزمة تأتي في قعر لائحة اهتمامات إدارة الرئيس باراك أوباما».
(الأخبار، أ ف ب)