حضرت إسرائيل الثلاثاء الماضي جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف منهية مقاطعة دامت 20 شهرا للمجلس الذي تتهمه بالتحيز ضدها. وقطعت إسرائيل الجسور مع مجلس حقوق الانسان عندما قرر في آذار 2012 إطلاق أول تحقيق دولي مستقل بشأن العواقب المترتبة على المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. ومثّل هذا الانسحاب حرجاً لأصدقاء إسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، خصوصاً أنه تزامن مع موعد المراجعة الدورية الشاملة لسجل إسرائيل في حقوق الانسان، والتي كان يفترض أن تعقد في ٢٩ كانون الثاني الماضي.

وبعد جولة مفاوضات سرية قادها السفير السابق لإسرائيل في جنيف روني لشنويار، في شهر آب الماضي مع رئيس مجلس حقوق الانسان البولندي ريميغيوز هنزل، تقرر ان تحضر اسرائيل الجلسة في ٢٩ تشرين الاول الجاري، لكن اسرائيل ربطت عودتها بمجموعة من الشروط التعجيزية بينها الغاء البند السابع من جدول اعمال المجلس الذي يناقش ثلاث مرات كل عام انتهاكات حقوق الانسان في الاراضي العربية المحتلة. وترفض اسرائيل ايضا ان تكون البلد الذي تم التصويت على اكبر عدد من القرارات في شأنه. وهي تطلب ان تكون عضوا دائما في مجموعة اوروبا الغربية داخل مجلس حقوق الانسان.
وقاد سفير إسرائيل في جنيف إيفيتار مانور الوفد الإسرائيلي فى الجلسة التي طلبت فيها نحو 76 دولة الكلمة أثناء النقاش الذي استمر نصف يوم، وكان سفير فلسطين إبراهيم خريشي من أوائل الذين تحدثوا. وشكر الدبلوماسيين الذين أتاحت مفاوضاتهم خلف الكواليس عودة إسرائيل معبرا عن اعتقاده إن اسرائيل لا تفهم سوى لغة الضغط. وطالب خريشي إسرائيل بالانسحاب من القدس الشرقية والضفة الغربية لأنهما أراض فلسطينية محتلة باعتراف 33 دولة في العالم العام الماضي. وطالبها كذلك بإطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية قائلا إنه لا يوجد مبرر لأن تبقيهم إسرائيل في سجونها.
واثر اجتماع، اوضح مانور للصحافيين ان بلاده لا تزال تنتظر اجراءات ملموسة من جانب المجلس. وقال «سنرى مع الوقت اذا كنا سنعود (...) الى تعاون كامل في العلاقات مع المجلس ومع مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان».
وفي سابقة هي الاولى من نوعها، لم تسلم اسرائيل تقريرها الوطني إلا قبل ٢٤ ساعة من انعقاد الجلسة، ولقد اثار هذا الاجراء اعتراض عدد كبير من الدبلوماسيين، خصوصاً ان تسليم التقارير الوطنية يجب ان يتم قبل شهرين من انعقاد الجلسة لاتاحة المجال امام الوفود الرسمية والمنظمات غير الحكومية لتقديم ملاحظات وتوصيات الى الدولة المعنية، وفق ما تنص عليه قواعد العمل الاجرائية في المجلس الذي انشئ عام ٢٠٠٦ ، خلفاً للجنة حقوق الانسان التي انشئت في تسعينيات القرن الماضي. وخلال الجلسة قدمت المفوضية السامية لحقوق الانسان تقريراً يتضمن خلاصة ٢٣ تقريراً تقدمت به المنظمات غير الحكومية. ودعا التقرير اسرائيل الى تنفيذ توصيات هيئات ومعاهدات دولية خصوصاً في ما يتعلق بالمساواة بين المواطنين وعدم التمييز، وانشاء مؤسسة وطنية لحقوق الانسان وفق مبادئ باريس، وهي توصية لم تقدم اسرائيل رداً عليها. ولاحظت لجنة الحقوق الدولية أن إسرائيل لم توجه دعوة دائمة لآليات الإجراءات الخاصة، وأن لدى إسرائيل خمسة طلبات معلقة قدمت إليها من أجل زيارة البلد.
وأفادت منظمة إر آميم Ir Amim بأن ٣٠٠ الف فلسطيني ممن يعيـشون في القدس لا يتمتعون بوضع مدني كامل. وأشارت المنظمـة الى أن قانون المواطنة الاسرائيلي لعام ١٩٥٢ لا ينطبق بصورة عامة على جميع المقيمين في القدس الشرقية. وهؤلاء يحملون بطاقات هوية فلسطينية ولكنهم غير حائزين على جوازات سفر فلسطينية على العكس من وضـع الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وهم يحملون جوازات سفر أردنية ولكنهم لا يتمتعون بالمواطنة الاردنية الكاملة منذ ١٩٨٨.
وقالت سويسرا إن بناء المستوطنات الإسرائيلية مستمر في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية «رغم حقيقة أنها غير مشروعة بموجب القانون الدولي الإنساني وأن لها تأثيراً خطير على... حقوق السكان الفلسطينيين». وطالبت دول عدة بالافراج عن جميع المعتقلين السياسيين. كذلك، طالبت غالبية الدول بانهاء التمييز بحق الافراد مهما كانت جنسيتهم او دينهم، وبرفع الحصار عن قطاع غزة ووقف الاستيطان الاسرائيلي غير القانوني وعدم اللجوء الى التعذيب. من جهته، دعا ممثل الولايات المتحدة بيتر مولرين اسرائيل الى الافراج عن طالبي اللجوء المعتقلين، وذلك اثر قرار في 16 ايلول للمحكمة الاسرائيلية العليا بالغاء قانون يسمح باعتقال مهاجرين غير شرعيين من دون محاكمة.
وتحضر البعثة اللبنانية الدائمة في جنيف جلسات النقاش المتعلقة باسرائيل، لكن جرت العادة ان لا تطلب الكلام باعتبار ان ذلك يشكل اعترافاً غير مباشر بدولة الاحتلال. لكن السفيرة نجلا رياشي عساكر قاطعت السفير الاسرائيلي خلال النقاش وطلبت نقط نظام على خلفية وصف التقرير الاسرائيلي لحركة امل بانها منظمة ارهابية. وطالبت عساكر بالكف عن استخدام مثل هذا النوع من التعابير التي تشكل خروجاً عن آليات النقاش داخل مجلس حقوق الانسان. وقدمت اسرائيل في الفقرة 105 من تقريرها الوطني مثالاً حول استقلالية القضاء، الشكوى التي رفعها الاسير المحرر مصطفى الديراني امام المحكمة الاسرائيلية العليا على خلفية تعرضه للتعذيب اثناء اختطافه من قبل اسرائيل منذ العام ١٩٩٤ ولغاية العام ٢٠٠٤. ولقد وصف التقرير الديراني بانه قيادي سابق في «حركة امل الارهابية» وعضو حالي بارز في منظمة حزب الله. كذلك اعترض السفير الفلسطيني على وصف اسرائيل لحركة حماس بانها منظمة ارهابية، وتلقت اسرائيل سيلاً من الانتقادات من ممثلي ايران وسوريا وكوبا، في حين كان لافتاً ان فنزويلا ترأست اللجنة الثلاثية التي اشرفت على مراجعة سجل اسرائيل في حقوق الانسان. والى حين انعقاد الدورة المقبلة لمجلس حقوق الانسان في اذار ٢٠١٤ تبقى مشاركة اسرائيل في اعمال المجلس قيد الاختبار رغم ترجيح عدد من الدبلوماسيين بأن عودة اسرائيل الى المجلس باتت محسومة خصوصاً ان قراراته غير ملزمة حتى ولو تضمنت توصيات باحالة ملف الدولة المعنية الى المحكمة الجنائية الدولية، لان هذه الاحالة تحتاج الى موافقة مجلس الامن الذي يواجه بشكل دائم الفيتو الاميركي في ما يتعلق بملف اسرائيل والفيتو الروسي والصيني في ما يتعلق بملف سوريا.