يختتم المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي جولته في دمشق، المحطة الأبرز بعد زيارته سبع عواصم إقليمية. منذ زيارته الأخيرة للعاصمة السورية في كانون الثاني من العام الماضي، تغيرات عديدة حدثت. اليوم، يقرأ الدبلوماسي الجزائري في ورقة التفاهمات الأميركية ــ الروسية، وسط ارتياح غير مسبوق تبثّه القيادة السورية، وتخبّط يلف قوى المعارضة. هذا التخبط ينعكس على الرعاة الاقليميين، وتحديداً السعودية التي رفضت استقبال «المبعوث العربي».
واستقبل نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الإبراهيمي في دمشق التي وصل إليها براً من بيروت. وجرى تحديد موعد للمبعوث الدولي للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب ما أكدت مصادر متابعة لجولته لـ«الأخبار»، علماً بأنه التقى مسؤولين سوريين رسميين بعيداً عن الإعلام أمس. ومن المتوقع أن يلتقي الإبراهيمي خلال زيارته، التي تستمر حتى يوم الجمعة المقبل، مسؤولين رسميين آخرين وممثلين عن معارضة الداخل، وتحديداً مع «هيئة التنسيق» و«الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير»، مرجّحاً أن ترشح المعارضة الداخلية خلال هذه اللقاءات موفدين عنها للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2».
وأكّدت مصادر متابعة لحركة الاتصالات بين القيادة السورية والإبراهيمي لـ«الأخبار» أن الأخير «لم يأت إلى دمشق مفاوضاً، وليس هو حاملاً لطروحات ينتظر أجوبة عليها من الرئيس الأسد، بل إن الإبراهيمي أتى لاختبار الظروف ودراسة إمكانية انعقاد مؤتمر جنيف ــ 2». وشدّدت المصادر على أن الابراهيمي لا يزور سوريا ليكرر الكلام ذاته الذي قاله للأسد قبل 10 أشهر، والذي أدى إلى تأزم العلاقة بين الطرفين، خصوصاً عندما أراد المندوب الأممي أن يحصل على تعهد من الأسد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014.
وأكّدت المصادر أن الابراهيمي سيسعى إلى تحديد الأولويات التي سيطرحها كل طرف في «جنيف 2»، وسيطلب من مستقبليه، في سوريا وغيرها، تقديم اقتراحات له تتضمن مقترحاتهم لجدول أعمال المؤتمر. وبعد انتهاء زيارته، سيعود الإبراهيمي إلى بيروت حيث من المنتظر أن يلتقي الرؤساء الثلاثة. وفي ختام جولته، يلتقي وزيري الخارجية الروسي والأميركي، أو من ينوب عنهما، ليقدم لهما تقريراً يتضمن نتيجة جولته، وتصوّره لإمكان عقد «جنيف 2»، والموعد الذي يراه مناسباً. وتشير مصادر لبنانية واسعة الإطلاع إلى أن رفض السعودية ثم الإمارات العربية المتحدة استقبال الإبراهيمي، مؤشر على أن المؤتمر لن يُعقد في الموعد الذي أعلن سابقاً، أي 23 تشرين الثاني المقابل، وأنه سيُرجأ حتى بداية العام المقبل. لكن مصادر على صلة بالإبراهيمي ترى أن الموعد محدد بالاتفاق بين واشنطن وموسكو.
وكان الإبراهيمي قد رأى أنّ الرئيس بشار الأسد يمكن أن يساهم في المرحلة الانتقالية نحو «سوريا الجديدة»، وذلك في مقابلة نشرتها أمس مجلة «جون أفريك» الأسبوعية الفرنسية.
وقال الإبراهيمي إنّ «الكثير من المحيطين به (الأسد) يرون في ترشحه (لولاية جديدة في عام 2014) أمراً محتماً. هو يرى الأمر حقاً مكتسباً (...) إنّه يرغب بالتأكيد في إنهاء ولايته الحالية». وأضاف: «علمنا التاريخ أنه بعد أزمة مماثلة (في إشارة إلى النزاع السوري) لا يمكن العودة إلى الوراء. الرئيس الأسد يمكنه إذاً أن يساهم بنحو مفيد في الانتقال بين سوريا الماضي، وهي سوريا والده (الرئيس الراحل حافظ) وسورياه، وما أسمّيه الجمهورية السورية الجديدة».
ورأى الدبلوماسي الجزائري أن الرئيس السوري «كان شخصاً منبوذاً» قبل الاتفاق حول السلاح الكيميائي السوري، «وتحول الى شريك» بعده، مضيفاً «إلا أنّ بشار لم يسقط أبداً (...) ومهما يقول الناس، فهو لم تساوره الشكوك على الإطلاق، لا لجهة ما يحق له، ولا لقدرته على حسم الأمور لمصلحته».
وأبدى الابراهيمي حذره بشأن مشاركة المعارضة في «جنيف 2»، معتبراً المؤتمر «بداية مسار. نأمل بأن تتمكن المعارضة من الاتفاق على وفد ذي صدقية وقدرة تمثيلية. يجب ألا تكون لدينا أوهام: لن يحضر الجميع. المرحلة اللاحقة لهذا المسار يجب أن تشمل أكبر عدد ممكن».
جميل: السعودية والإمارات رفضتا استقبال الإبراهيمي
وفي إطار الحرك السياسي المتعلق بالمؤتمر، قال نائب رئيس الوزراء السوري، قدري جميل، إنّه التقى للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية ممثلين عن وزارة الخارجية الأميركية في جنيف. وأكد، في تصريح إلى وكالة «إيتار ــ تاس» الروسية، أنّ هذا اللقاء أكد ضرورة عقد مؤتمر «جنيف 2» في أسرع ما يمكن، مؤكداً أن نجاح المؤتمر سيفتح الطريق للحوار السوري الداخلي.
كذلك تناول اللقاء، بحسب جميل، مسألة تمثيل المعارضة في «جنيف 2»، مشدداً على وجوب تمثيل كافة الأطراف على قدم المساواة. وأكد أنّ لقاءه مع الجانب الأميركي يشير إلى تطور موقف واشنطن، الذي يتغير ويصبح أكثر واقعية. من جهة أخرى، قال جميل إنّ 23 تشرين الثاني يبقى موعداً واقعياً لعقد «جنيف 2». وبشأن جولة الأخضر الإبراهيمي، قال جميل إنّ الدبلوماسي الجزائري متشائم إلى حد ما لأنّ السعودية والإمارات رفضتا استضافته.
في السياق، أعلنت جامعة الدول العربية أنّ اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية العرب سيعقد الأحد المقبل في القاهرة لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا، في ضوء مشاورات الموفد الأممي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، لعقد مؤتمر «جنيف 2». وصرح نائب الأمين العام للجامعة، أحمد بن حلي، رداً على سؤال حول معلومات صحافية تفيد بأن رئيس «الائتلاف» المعارض أحمد الجربا طلب الحصول على غطاء عربي للمعارضة في ما يتعلق بالمشاركة في المؤتمر، بأنّ «اجتماع وزراء الخارجية العرب سينظر في هذا الموضوع»، مضيفاً أنّ «الموقف العربي يقوم على تشجيع كل الأطراف السورية، سواء كانت حكومة أو معارضة، على وضع الأزمة على طريق الحل السياسي».
وأشار إلى أنّ الإبراهيمي «على اتصال دائم مع الأمين العام للجامعة نبيل العربي ونظيره الأممي بان كي مون لإطلاعهما على نتائج مشاوراته وتحركاته».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الجميع يدعمون «جنيف 2» بالأقوال، إلا أن بعض الدول المموّلة للمعارضة السورية تعمل مباشرة على تقويض الجهود الرامية إلى عقد المؤتمر. وقال، عقب مباحثاته مع نظيره الأوكراني ليونيد كوجارا، إن كل جماعة في صفوف المعارضة السورية لها مموّل أو مشرف عليها في المنطقة أو خارجها، مؤكداً أن الجميع يدركون ذلك جيداً، بما في ذلك الإدارة الأميركية. كذلك أكد الوزير الروسي أن على مموّلي الجماعات المسلحة في سوريا أن يتحملوا المسؤولية تجاه مصير الحل السياسي في هذا البلد. وقال الوزير الروسي إن عدداً من الجماعات المسلحة تنشق حالياً عن «الائتلاف» المعارض، بينما تعلن بعض الجماعات الأخرى أنها قريبة من تنظيم «القاعدة» الإرهابي وتعمل بتوجيهات منه. وأعرب لافروف عن غضبه بشأن تهديد بعض الجماعات المعارضة تجاه المشاركين المحتملين في «جنيف 2»، بما في ذلك بعثات روسيا الدبلوماسية في الخارج، مشدداً على أن ذلك أمر غير مقبول. وأكد أن هذه الجماعات هددت كذلك الدول التي تدعو إلى البحث عن حل سياسي وتعارض استخدام القوة الخارجية لتسوية الوضع.
إلى ذلك، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أمس، أنّ أعمال العنف منعت مفتشي المنظمة من الوصول إلى موقعين كيميائيين في سوريا.
وجاء في بيان لها أنّ المفتشين «أنهوا أعمال التحقق في 21 من 23 موقعاً أعلنت عنها سوريا»، مضيفاً أنّ «الموقعين الباقيين لم يتم تفتيشهما لأسباب أمنية».
(الأخبار)