شكك خبير إسرائيلي في جدوى المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ التي تعكف المؤسسة الأمنية على تطويرها منذ سنوات وتتغنى بإنجازاتها المزعومة خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة. وفي مقالة علمية، نشرها الموقع الإلكتروني التابع لجمعية «درع الجبهة الداخلية» فرد الدكتور نتان فاربر، المتخصص في مجال مواجهة الصواريخ البالستية، رؤيته النقدية لمفهوم الحماية الاعتراضية المعتمد إسرائيلياً منذ حرب تموز 2006، معتبراً أنه غير عملي من النواحي الاقتصادية والعملانية والتكنولوجية.
ومن المعلوم أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تبنّت في الأعوام التي تلت «حرب لبنان الثانية» مفهوماً لحماية جبهتها الداخلية يقوم على منظومة مضادة للصواريخ متعددة الطبقات تتألف من ثلاثة أنواع من الصواريخ الاعتراضية، كل منها مخصص لنوع محدد من الصواريخ المعادية طبقاً لمعياري المدى والارتفاع. والطبقة الأولى من هذه المنظومة هي «حيتس 3» التي لا تزال قيد التطوير ومهمتها اعتراض الصواريخ البعيدة المدى، مثل «شهاب» و«سجيل» الإيرانية التي يصل مداها إلى 1300 و2000 كلم على التوالي، على ارتفاع يراوح بين 250 و300 كلم. وفي هذه الطبقة أيضاً يوجد صاروخ «حيتس 2» الذي يفترض أن يعترض صواريخ سكاد السورية التي يراوح مداها بين 300 و700 كلم على ارتفاع يراوح بين 30 و100 كلم.
والطبقة الثانية من المنظومة الاعتراضية الإسرائيلية هي «العصا السحرية» التي لا تزال أيضاً في مراحل التطوير وهي مخصصة لاعتراض صواريخ تكتيكية من طراز «فاتح 110» الإيرانية الصنع و«ام 600» السورية الصنع ومداها بين 200 إلى 300 كلم. وتضم هذه الطبقة أيضاً صواريخ «باتريوت» الأميركية الصنع والتي فشلت فشلاً ذريعاً خلال حرب الخليج الأولى عام 1991 في اعتراض صواريخ سكاد العراقية، ومن المفترض أن تُستخدم هذه الصواريخ كدعم أخير على ارتفاع 10-12 كلم.
أما الطبقة الثالثة فهي المخصصة للصواريخ القصيرة المدى من طراز «غراد» الذي يصل مداه إلى 40 كلم و«فجر» ومداه 70 كلم. وقد طورت إسرائيل منظومة «القبة الفولاذية» للتعامل مع تهديد هذه الصواريخ واعتراضها على ارتفاع 2 إلى 3 كلم. وفي مقالته المبنية على معطيات واضحة ومحددة، يخلص فاربر إلى استنتاج مفاده أن مفهوم المنظومة الاعتراضية المتعددة الطبقات سوف يتقوّض لأسباب اقتصادية وعملانية وتكنولوجية في حال مواجهة إسرائيل حرباً شاملة على عدة جبهات وتعرضها لوابل من مئات الصواريخ يومياً.
وقيمة الرأي العلمي الذي يطرحه فاربر تنبع من كونه أستاذاً متخصصاً في كلية علوم الطيران التابعة لمعهد التخنيون في إسرائيل، كما أنه عمل على 30 عاماً في الصناعات العسكرية الإسرائيلية وشغل في آخر مناصبه موقع العالم الرئيسي لقسم الصواريخ. كما عمل فابر لنحو عشر سنوات في شركة متخصصة بتقديم الخدمات الاستشارية لسلاح الجو والمؤسسة الأمنية الإسرائيليين. ويعمل فاربر اليوم باحثاً مستقلاً في تخطيط وتطوير منظومات الحماية المضادة للصواريخ البالستية.
وعلى مدى الأعوام الأخيرة، يعرب فاربر عن آرائه الحاسمة والصريحة التي تشكك بما أعلنته المؤسسة الأمنية في أعقاب عدوان «عمود السحاب» الأخير على قطاع غزة بشأن نجاح «القبة الفولاذية» في اعتراض 85 بالمئة من الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية. وفي مقالته، قدم فاربر حسابات أجراها تظهر أن إسرائيل ستواجه في الحرب المقبلة تهديداً صاروخياً يتمثل في نحو 800 صاروخ بالستي تمتلكها إيران ونحو 400 صاروخ سكاد تمتلكها سوريا وما بين 500 إلى 1000 صاروخ تكتيكي (من طراز «فاتح» و«فجر») موجودة في حوزة حزب الله وحماس، وربما أكثر من 100 ألف صاروخ قصير المدى لدى كل من سوريا وحزب الله وحماس.
ويخلص فاربر في العمليات الحسابية التي أجراها إلى تقدير مفاده أن نحو ثلث الصواريخ التي ستطلق باتجاه إسرائيل سوف يتم تدميرها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، في حين أن ثلثاً آخر لن يتم إطلاقها أو ستتعرض لأعطال تقنية، فيما الثلث الأخير سوف يحلق باتجاه أهدافه في العمق الإسرائيلي. وبحسب الخبير الإسرائيلي، فإن هذا التقدير هو موضع قبول لدى خبراء الجيش والأجهزة الاستخبارية في إسرائيل.
ويرى فاربر أنه في ما يتعلق بالصواريخ البالستية البعيدة المدى، ستكون منظومة الحماية الاعتراضية مضطرة لمواجهة نحو ثلث عددها الإجمالي الذي يراوح بين 1000 و1300 صاروخ، أي نحو 400 صاروخ. أما الصواريخ التكتيكية، «فسوف تنطلق غالبيتها باتجاه أهدافها لأنها صواريخ دقيقة جداً، وهذا يعني أن المنظومات الاعتراضية ستضطر إلى مواجهة معظم العدد الإجمالي لهذه الترسانة»، كما ستضطر إلى التعامل مع نحو 30 ألف صاروخ قصير المدى من أصل أكثر من 100 ألف صاروخ موجودة بحوزة سوريا وحماس وحزب الله.
وهنا يصل فاربر إلى المعالجة الحسابية لمسألة اعتراض هذا العدد من الصواريخ، ويسأل «كم صاروخاً اعتراضياً يحتاج الأمر لمواجهة هذا التهديد المرعب؟». ويجيب «بالنسبة للصواريخ البالتسية، من المعروف أن المطلوب صاروخان لاعتراض كل صاروخ. كما أن من الواضح أنه في خلال المواجهة العسكرية، سترتكب منظومات الحماية أخطاء كثيرة، ما يعني هدراً لعدد من الصواريخ الاعتراضية. وهكذا، فإنه من أجل مواجهة 400 صاروخ بالستي سوف نحتاج إلى ما بين 800 إلى 1000 صاروخ اعتراضي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمن كل صاروخ اعتراضي من طراز «حيتس» هو نحو 3 ملايين دولار، فإن الكلفة الإجمالية لعمليات الاعتراض ستراوح بين 2.4 و3 مليارات دولار. وكذلك هي الحال في مواجهة الصواريخ التكتيكية التي يحتاج اعتراض كل منها إلى صاروخين اعتراضيين. وبما أن ثمن كل صاروخ اعتراضي من «العصا السحرية» هو مليون دولار، فإن هناك حاجة إلى تخصيص ما بين مليار وملياري دولار لتغطية نفقات صواريخ هذه المنظومة».
وإلى ما تقدم، ينبغي إضافة الأكلاف ذات الصلة بتشكيل الوحدات الخاصة بالمنظومات الاعتراضية وكذلك ثمن البطاريات، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف حجم الإنفاق المتوقع. وعندما يصل الأمر إلى الصواريخ القصيرة المدى، فإن التقديرات تشير إلى الحاجة إلى 60 ألف صاروخ اعتراضي من النوع المستخدم في «القبة الفولاذية» والذي يبلغ ثمن الواحد منه 100 ألف دولار، أي أن الكلفة الإجمالية لأثمان صواريخ «القبة» المطلوبة هي 6 مليارات دولار، وهي لا تشمل أكلاف إنشاء التشكيلات الميدانية التشغيلية والمقدرة بمئات ملايين الدولارات.
وهكذا، فإنه من الناحية الاقتصادية البحتة، ستحتاج إسرائيل خلال الحرب إلى 10 مليارات دولار لتغطية أكلاف الصواريخ الاعتراضية، علماً بأنها بعد الحرب ستحتاج إلى مبلغ مشابه لتعبئة المخازن الخاصة بهذه الصواريخ والتي سوف تفرغ أثناء الحرب. ويتساءل فاربر «هل يعتقد أحد أن مغامرة بهذا الحجم منطقية»؟ ويجيب «يبدو أن أحداً لا يؤمن بهكذا حماقة».
أما من الناحية العملانية، فيرى الخبير الإسرائيلي أن «إسرائيل اليوم لا تمتلك حماية ضد الصواريخ البالستية، كما أن جدوى هكذا حماية في المستقبل موضع شك». وبالنسبة لـ«القبة الفولاذية»، يقدر فاربر أن نسبة نجاحها كان أقل من 66 في المئة، لا 85 في المئة كما ادعت المؤسسة الأمنية. ويكتب «الدعوى الكلاسيكية لمؤيدي القبة هي: حسناً، ماذا إذاً؟ 66 في المئة جيدة أكثر من صفر في المئة. فكل عملية اعتراض ناجحة هي ربح صافٍ لأنه ينقذ حياة الناس. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ إليكم نقطة للتفكير: إن القبة الفولاذية لا تنقذ حياة الناس. فما ينقذها هو الملاجئ والغرف الآمنة التي يهرع إليها الناس عند تعرض مناطقهم لهجوم صاروخي».