لم يعد مفاجئاً أن إسرائيل فوجئت رسمياً بالقرار الروسي. فقد أقرّ رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، بشكل رسمي، أمام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، بأن تل أبيب «فوجئت» بقرار موسكو سحب قواتها من سوريا. ما كانت وسائل الاعلام الاسرائيلية سرّبته أو قدّرته عن مفاجأة إسرائيل بالخطوة الروسية، أكده ايزنكوت بالتأكيد على أننا «لم نكن على علم مسبق بذلك، كما لم يكن الآخرون يعلمون بذلك» من دون الاشارة الى هويتهم. مع ذلك، لفت رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الى أن الاستخبارات العسكرية، «أمان»، سبق أن التقطت مؤشرات دالة قبل عدة أشهر على توجه روسي لتدخل نشط في القتال في سوريا، موضحاً أننا «عرفنا واستعددنا بما يتلاءم».
هذا ودعا ايزنكوت الى انتظار تبلور المفاعيل المرتقبة لهذا القرار، مشدداً على أنه «في هذه المرحلة المطلوب التواضع والحذر في محاولة فهم إلى أين تتطور الساحة السورية مع خروج القوات الروسية من المنطقة»، الامر الذي يشي بأن الاحتمالات، بنظر الجيش والاستخبارات، مفتوحة على سيناريوات متعددة ومتفاوتة المفاعيل على الامن القومي الاسرائيلي.
في المقابل، تناول ايزنكوت تقدير الجيش لمفاعيل التدخل الروسي خلال المرحلة الماضية بالقول إن «التدخل الروسي عزَّز (الرئيس بشار) الاسد، وبالتالي يمكن له أن يصل الى المحادثات في جنيف من موقع قوة». ولفت الى أن «تقديرنا بأن الانسحاب الروسي يتوقع أن ينفذ بشكل متدرج، وعلى ما يبدو، سيحتفظ الروس بقاعدتين حتى بعد تقليص القوات المنتشرة في الميدان». ولفت ايزنكوت أيضاً الى أن روسيا تخرج الجزء الاهم من قواتها من سوريا، لكنها لن تنفصل عن الدولة على نحو مطلق. هذا وتجدر الاشارة الى أن الافادة التي أدلى بها ايزنكوت يفترض أن يخضع ما يتم تسريبه منها عبر وسائل الاعلام لرقابة مدروسة، انسجاماً مع قرار سابق يحكم المداولات التي تجري على طاولة لجنة الخارجية والامن. وخصوصية هذه اللجنة أنها عادة ما يمثل أمامها كبار القادة السياسيين والعسكريين والامنيين في إسرائيل. وعلى هذه الخلفية، يمكن القول إنه لم يتم إيراد الكثير من المعطيات على ما يفترض من أسئلة عادة ما تكون مطروحة خلال مداولات اللجنة.
الى ذلك، تناول ايزنكوت مجموعة اخرى من القضايا المتنوعة المتصلة بالساحة الاسرائيلية، ومن أهمها أن الاتصالات السرية مع السلطة الفلسطينية، التي كشفتها صحيفة «هآرتس»، لم تكن عملية سياسية، بل خطوة عملانية ــ أمنية، مؤكداً أن الامر لم يكن مبادرة سياسية، بل خطوة لتحسين الواقع الذي نعيش فيه.
في سياق متصل، بدا أن قرار الرئيس بوتين أثّر على زيارة الرئيس الاسرائيلي رؤوبين ريفلين الذي وصل الى موسكو، أمس، إذ تواصل قبل توجهه الى العاصمة الروسية مع نتنياهو وقيادات الاجهزة الامنية، وحصل منهم على تقارير وتقديرات، واطّلع منهم على أبعاد الاعلان الروسي والرسائل التي ينبغي نقلها الى بوتين. وبعد وصوله الى موسكو، أكد ريفلين ضرورة التنسيق مع روسيا في الوضع الذي يتشكل في المنطقة. ولفت الى أن «الجميع يدركون الخطر الذي تشكله داعش على العالم كله»، لكنه حرص على التأكيد على الرؤية الاسرائيلية بأن إيران وحزب الله يشكلان «بالنسبة لنا خطراً بدرجة لا تقل». وأوضح أن «المسائل التي سيتم بحثها تتصل بالالتزامات الروسية بوجود وسلامة وأمن إسرائيل وأمور سبق أن التزمت بها روسيا منذ عام 2012، عندما كان بوتين يزور إسرائيل».
في الاطار نفسه، نقل موقع صحيفة «معاريف» عن مصادر سياسية رفيعة قولها إننا «لحد الآن لم نفهم على الاطلاق ما هي خلفيات المسار الاخير لبوتين بإخراج قواته من سوريا»، ولفتوا الى أن من أهداف اللقاء بين ريفلين وبوتين هو فهم ما الذي يخطط له الرئيس الروسي، والى أين يريد التقدم في سوريا.
ايزنكوت: روسيا لن تنفصل عن الدولة السورية

وأضافت المصادر أيضاً أن «الهدف الاساسي في المحادثات مع بوتين سيكون حول اليوم الذي يلي الحرب في سوريا وحول المفاوضات الدولية التي تجري في جنيف إزاء الاتفاق لإنهاء المعارك، وإيجاد حل سياسي في سوريا». وفي السياق نفسه، أوضحت المصادر الاسرائيلية الرفيعة أن «اسرائيل تفهم بشكل جيد المصالح الروسية في المنطقة، ولكن أيضاً الروس يفهمون المصالح الاسرائيلية، وهذه ليست لعبة نتيجتها صفر. بل لدى الروس مصالح مشابهة لمصالحنا، إذ إنهم لا يريدون رؤية إيران قوية تنشر الارهاب على الحدود الجنوبية لروسيا!». وأضافت المصادر أن «الروس يدركون معنى أن يبقى حزب الله في سوريا ويثبت مواقعه هناك».
كذلك تناولت القناة العاشرة الحدث الروسي بالتأكيد على أن ما يهم إسرائيل أمران، من جهة أن يؤدي القرار الروسي الى تعزيز قوة ايران وحزب الله في الساحة السورية، وتسليح حزب الله بأسلحة متطورة. وعلى هذه الخلفية يوجد سلبيات وايجابيات للانسحاب الروسي. السلبيات بالنسبة لإسرائيل أن لا يكون هناك عنوان في سوريا، وبالتالي يمكن لحزب الله وغيره أن يفعل ما يريد على الحدود مع الجولان، وهذا الوضع سيّئ لإسرائيل. أما بالنسبة إلى الايجابيات المفترضة، فـ«أن يؤدي تقليص القوات الروسية الى تعزيز قوات المعارضة، وبالتالي قد تتضرر إيران وحزب الله وقدرتهما على تنفيذ هجمات ضد إسرائيل ستتقلص». وأكدت القناة أن كل هذه الامور ستكون على جدول اللقاء بين ريفلين وبوتين.
في المقابل، رأى معلق شؤون الشرق الاوسط في القناة الثانية، ايهود يعري، أن خطوة الرئيس الروسي «ليس لها سوى تفسير واحد، أنه يقول للايرانيين وحزب الله إن سلاح الجو الروسي ليس في خدمتكم، ولم آت من أجل ضمان بقاء الاسد رئيساً لسوريا طوال الوقت، وبالتأكيد لم آت لضمان السيطرة الايرانية بواسطة حزب الله على سوريا». ورأى أن من أفضل النتائج التي ينبغي تقديرها من قبل اسرائيل هي أن بوتين «ليس على وشك إرسال سلاح الجو الروسي لهزيمة المسلحين في جنوب سوريا والسماح لحزب الله والايرانيين بالسيطرة على الجولان، والجنوب بشكل عام».
لكن محلل الشؤون العسكرية في القناة نفسها، روني دانيئيل، رأى أن التوقعات الإسرائيلية من الخطوة الروسية هي توقعات مقلقة جداً، أي إن التطورات التي لا تريد إسرائيل رؤيتها، أنه من اللحظة التي تغادر فيها روسيا المنطقة سيحصل فراغ، ولن يبقى هذا الفراغ على ما هو عليه، وإذا ملأت إيران هذا الفراغ فإن الواقع، سواء في الجولان أو باقي المنطقة، سيكون واقعاً غير مريح، ومن غير المعلوم كيف ستتطور الأمور.