تونس | غداة يوم حافل بالمواجهات العسكرية والمواقف السياسية الخطيرة في تونس، أعلنت الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس أنه لا معنى للعودة الى الحوار الوطني في غياب التزام واضح ورسمي ومكتوب من الحكومة بالاستقالة. وفيما سارت في المدن التونسية تظاهرات غير مسبوقة أثناء تشييع جنازات عناصر الأمن الذين سقطوا في مواجهات بين القوى الأمنية وعناصر من تنظيم أنصار الشريعة في مدينة سيدي علي بن عون (محافظة سيدي بوزيد وسط غرب البلاد)، سيطر الحزن على البلاد والقلق من إجهاض مسيرة الحوار الوطني بعد رفض الحكومة تقديم استقالتها.
وفي مدينة سيدي علي بن عون، حيث حصلت المواجهات وسقط نحو ثمانية أشخاص بينهم ستة عسكريين، فرّ عناصر «أنصار الشريعة» بعد أن تركوا مجموعة من الأسلحة والأحزمة الناسفة وبقايا أغراض نسائية تؤكد وجود نساء مع المجموعة السلفية. في غضون ذلك، رفضت عائلات ضحايا الجيش تقبّل التعازي من الرؤساء الثلاثة أو من أي مسؤول رسمي، كما رفضوا تنظيم موكب تأبين لهم في ثكنة الحرس الوطني في العوينة، كما جرت العادة.
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام في محافظتي سيدي بوزيد والقصرين، وذلك على خلفية عدد ضحايا الأمن من المحافظتين، بينما شارك الآلاف في مواكب التشييع.
أما في مدينة الكاف على الحدود الجزائرية، فقد اقتحم الغاضبون مقر حركة النهضة الحاكمة وأضرموا فيه النيران، في الوقت الذي توقفت فيه الدراسة في معظم المعاهد الثانوية في مناطق مختلفة من البلاد وكذلك في المؤسسات الجامعية. وفي الوقت نفسه، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية، محمد علي العروي، أن قوات الأمن عثرت على سيارة مفخخة «جاهزة للتفجير» في ولاية سيدي بوزيد. وتعرّض أنصار الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي يسيطر عليه اليسار، لاعتداءات بالعنف في كلية الآداب والفنون والإنسانيات في منوبة من مجموعات سلفية ومن أنصار حركة النهضة الذين احتفلوا مساء أول من أمس في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة بصعود «النهضة» الى الحكم منذ عامين.
هذا الاحتفال الذي نظمه أنصار الحركة التي تمثّل الطرف الأقوى في الترويكا الحاكمة، زاد من غضب التونسيين الذين يُحمّل جزء كبير منهم الحزب الحاكم مسؤولية الاغتيالات التي يتعرض لها رجال الأمن والجيش.
ما حدث أول من أمس، وخاصة خطاب رئيس الحكومة علي العريض، ورئيس الجمهورية منصف المرزوقي، أغلق بنحو شبه نهائي باب الحوار.
ورغم دعوة الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، الى استئناف الحوار اليوم الجمعة، تؤكد بيانات الأحزاب السياسية الكبرى أن فرص الحوار أصبحت شبه منعدمة بعد رفض الحكومة الاستقالة.
من جهته، أكد القيادي في الحزب الجمهوري عضو المجلس الوطني التأسيسي المنسحب، عصام الشابي، تنظيم اعتصام في ساحة القصبة الى حين سقوط الحكومة. موقف عبّر عنه أيضاً القيادي في «نداء تونس» خميس قسيلة، النائب المنسحب من المجلس التأسيسي، مشدداً على أن النواب المنسحبين لن يعودوا الى المجلس قبل استقالة حكومة العريض.
من جهتها، دعت نقابات الأمن كل قوات الأمن الى التضامن وتجاوز الخلافات من أجل إنقاذ الدولة من الانهيار، فيما أكد قياديون في نقابات الأمن تنظيم ندوة صحافية اليوم الجمعة، لكشف كل تفاصيل الجرائم الإرهابية التي يشتبه في ضلوع عناصر من «النهضة» فيها.
وكانت وسائل إعلام مقربة من «النهضة»، مثل قناة «المتوسط» وقناة «الزيتونة»، تشن منذ أيام حملة تستهدف الأمنيين وخاصة نقابات الأمن التي تم إيقاف أغلب قياداتها عن العمل بعد أن رفعوا شعار الثورة التونسية «ديقاج» في وجه الرؤساء الثلاثة.
التطورات التونسية تؤكد أن البلاد مقبلة على سيناريوات سيئة أمام الانهيار الاقتصادي والأمني؛ فالاعتداءات على الأمنيين ومهاجمة المقار الأمنية وضبط الأسلحة والمواد التي تُستعمل في صنع المتفجرات وكذلك المتفجرات أصبحت خبراً يومياً تقريباً في وسائل الإعلام التونسية. وتدريجاً بدأ التونسيون يعتادون أنباء القتل والاغتيالات التي لم تكن في قاموسهم قبل صعود الترويكا الى الحكم، وهو ما يجعل من الوضع الذي تعيشه تونس وضعاً استثنائياً ومفتوحاً على كل الاحتمالات.