لم يعد رئيس الاستخبارات الليبية السابق موسى كوسى ذلك الرجل الخطير المتهم بالتخطيط لغير عملية إرهابية ضد السعودية، كما كان في عهد العقيد الراحل معمر القذافي؛ ففي زمن عودة تولي بندر بن سلطان لقيادة الاستخبارات السعودية، تم تبييض صفحة كوسى الأمنية داخل أدراج أجهزة الأمن في المملكة.
وبدلاً من إدراجه في عداد قائمة الأعداء الخطرين للمملكة، أصبح كوسى «صديقاً» تحتم الظروف الراهنة الاستعانة بخدماته المهمة التي تساعد بندر في معاركه الأمنية المفتوحة في غير منطقة من العالم، وبخاصة في سوريا.
وفي المعلومات المتوافرة على هذا الصعيد أن الرياض أخضعت كوسى خلال الشهرين الماضيين لتطبيقات التقليد ذاته الذي تستخدمه عادة لإنتاج مقدمات فتح أبوابها أمام شخصيات كانت لديها معها قطيعة سياسية أو أمنية.
وبموجب ذلك، وجّهت لكوسى دعوة من الاستخبارات السعودية لأداء شعائر العمرة في مكة، ثم تلى ذلك دعوته لأداء فريضة الحج هذا العام كضيف على الديوان الملكي.
خلال هاتين الزيارتين ذواتي الطابع الديني، عقد كوسى مع بندر لقاءات طويلة تركزت على طيّ صفحة الماضي وبناء ثقة جديدة بينهما ليتساعدا في تحقيق أهداف على صلة بالصراع في سوريا وأيضاً بنواح أخرى من المنطقة.
ومعروف أن السعودية ظلت لعقود ماضية توجه لكوسى اتهامين اثنين خطرين على الأقل، أوّلهما معلن ويتعلق بتخطيطه لعملية اغتيال الملك عبدالله، بأوامر مباشرة من معمر القذافي، رداً على واقعة الملاسنة التي حدثت بين العقيد والملك خلال أعمال قمة شرم الشيخ العربية عام 2003. ورغم أن كوسى كان انتقل في تلك الفترة من رئاسة الاستخبارات ليشغل منصب وزير خارجية ليبيا، ظل السعوديون يعتبرونه المسؤول الفعلي عن استخبارات القذافي، وأن إجراء تعيينه وزيراً للخارجية كان هدفه إتاحة فرص التنقل أمامه بغطاء دبلوماسي لمتابعة صلاته الاستخبارية المتشعبة حول العالم، والتي من بينها علاقات وثيقة وسرية بأجهزة استخبارات دولية، على رأسها الاستخبارات الخارجية البريطانية.
الملف الاتهامي الثاني السعودي غير المُعلن الموجه ضد كوسى يتعلق بما سمّته الاستخبارات السعودية دوراً مهماً أسندته إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في مرحلة معينة لتنفيذ خطة تقسيم السعودية الى خمس دويلات.
من الدوحة الى الرياض
وتلاحظ المصادر المواكبة لحركة كوسى خلال الفترة التي تلت انسحابه من جانب القذافي بسبب اندلاع الثورة الليبية، أنه كان يتنقل بين الدوحة ولندن.
والعاصمة البريطانية يعود لها الفضل في تحييد اسمه من قائمة المطاردة الدولية لطاقم نظام القذافي.
في تلك الفترة توثقت علاقات كوسى برئيس الحكومة القطرية السابق محمد بن جاسم. وإثر انسحاب قطر من واجهة الدور الخليجي في حرب إسقاط الرئيس بشار الأسد، بدأت الرياض بمبادرة من بندر بطيّ صفحة العداء مع كوسى، وفتح أبواب المملكة واستخباراتها أمامه، مقابل تقديمه خدمات لها على صلة بغير ملف حيوي تهتم به السعودية في هذه المرحلة.
مهمات دولية
والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو عن طبيعة المهمات التي تريدها السعودية من كوسى، والتي جعلتها تتجاوز كل تحفظاتها الخطرة السابقة عليه.
ثمة تكهنات، بحسب مصادر متابعة، بطرائق التفكير السياسي السائدة حالياً في السعودية، أبرزها وجود تفكير لدى بندر في أن السعودية التي تمر في هذه المرحلة بحقبة أزمات غير مسبوقة في علاقاتها الدولية، بالأخص مع أميركا من ناحية وروسيا من ناحية ثانية، قد تكون بحاجة إلى إعادة «إنتاج دور موسى كوسى كرجل صفقات أمنية دولية»، ولكن على أن يعمل هذه المرة لمصلحة السياسات السعودية. ويدرك بندر نتيجة اختلاطه العميق بكواليس البيئة الاستخبارية الدولية، أن كوسى جدير بهذا النوع من المهمات التي كان له فيها نجاحات باهرة؛ فهو غير مرة حل مشاكل القذافي مع الغرب عبر إبرام تسويات سياسية لمصلحة الأخير من خلال إنتاج مشتركات مصلحية أمنية واستخبارية.
ويبدو أن رئيس الاستخبارات السعودية يعتزم تكليف رجل القذافي الأمني الأبرز باستغلال علاقاته الاستخبارية الدولية لإبرام صفقات مقايضة سياسية ــ استخبارية لحساب السعودية في مواضيع يوجد بشأنها تباين، مثل القضية السورية، خصوصاً أن الأخير له صلات بالحركات المتطرفة في أفريقيا قد تفيده في إسناد القوات الفرنسية في مالي.