لعل أكثر ما يلفت في «انتفاضة» السعودية على المجتمع الدولي، ضحالة التعليقات والتبريرات التي يطلقها المدافعون عن المملكة، والمعبرون عن سياستها. أحد هؤلاء يرى أن الفيتو السعودي ضد عضوية مجلس الأمن أعاد فتح ملفات الإصلاحات المنسية لنظام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتنشيط مطالبة الدول النامية بحقوقها التمثيلية، فضلاً عن إعادة النظر في نظام «الدول الخمس الدائمة العضوية»، التي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن. وليس معروفاً أين رأى الكاتب مثل هذه التطورات التي لم يسمع بها أحد، بل على العكس من ذلك، فإنّ الصوت السعودي يقابل باهمال تام، من قبل المراجع الدولية.
وبحسب مصادر صحافية بريطانية، فإن الخطوة السعودية نسفت سياسة التعقل التقليدية للمملكة، ورمتها في مهب الرياح، في حملة منسقة للإعلان عن غضبها. ووصفها منتقدون بأنها حيلة فظة وغير فعالة من شأنها فقط أن تقوّض قدرة المملكة على التأثير في القرارات التي تهمها.
وقال الخبير في الشؤون السعودية في مؤسسة كارنيغي، فريدريك ويري: «إنها لفتة مثيرة، لكن غير فعالة، فالسعوديون أدركوا انعدام تأثيرهم في مجلس الأمن، لكن من الناحية العملية، هذا لا يعني الكثير. إنها حركة مسرحية أكثر منها مادة سياسية».
ومن جهته، رأى كريس دويل من مجلس التفاهم العربي البريطاني أنّ هناك صدمة تظهر في سلوك السعوديين. ويضيف إنّ على «السعوديين ألا يتوقعوا أن يأتي العالم إلى الرياض ويعتذر عن عدم الاستماع إليهم! إنها نوبة غضب في سن المراهقة».
بدوره، وصف إدوارد لاك، من جامعة سان دييغو، القرار السعودي بأنّه محيّر وأشبه بمن يطلق النار على نفسه.
إلا أنّ التحرك السعودي جذب أكبر قدر من السخرية والتهكم بدل التحليل الجاد، حيث كتب الخبير في شؤون الشرق الأوسط، مارك لينش، على «تويتر» بأنّ «انسحاب السعودية احبط قراراً من مجلس الأمن الدولي لحماية النساء في العالم من مخاطر قيادة السيارة»، وذلك في إشارة إلى خروج بعض مشايخ الوهابية للقول إن قيادة المرأة للسيارة تؤثر في صحتها ضمن الحملة المسعورة لمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة في بلادها.
وعلق محلّل ساخر آخر بأنّه كان يتوقع أن تعبر السعودية عن الشكر لمجلس الأمن الدولي الذي «سمح لها بغزو البحرين وسحق الانتفاضة من دون أي ضجة».
وبحسب ما نقلت «رويترز» عن محللين سعوديين، فإن إحباط الرياض موجه في الغالب نحو واشنطن، التي انتهجت سياسات منذ بداية الربيع العربي أغضبت الحكام السعوديين بشدة.
وما لا يمكن غض الطرف عنه أن السعودية تعيش حالة من القلق والتوتر في ظل قيادة هرمة باتت عاجزة عن ادارة شؤون الدولة الداخلية، مع تنامي الحركات الحقوقية والمطلبية، في اكثر من منطقة، وعودة الصراع بين القوى الديمقراطية ودعاة المجتمع المدني المطالبين بالملكية الدستورية وتحديث المجتمع السعودي من جهة، والقوى التقليدية المختبئة خلف عباءة التشدد الديني والمدعومة من امراء العائلة الحاكمة من جهة أخرى.
ويكاد لا يمضي يوم دون ان تشهد المملكة تظاهرة سياسية او مطلبية، ومطالبة بحق او بحرية، بينما تزدحم السجون بالناشطين من كل المناطق، ويزيد الخطاب الديني المتشدد وعودة الدعوات الجهادية، من خطر الانفجار الكبير.
ان الاندفاعة السعودية للانخراط في لعبة الصراعات الاقليمية، من بوابة دعم القوى المتطرفة والارهابية، والمجاهرة بالخطاب المذهبي الفتنوي على اكثر من ساحة ملتهبة في المنطقة، رهنتا سياسة المملكة ومكانتها لنهج يقوده الثنائي بندر بن سلطان وسعود الفيصل، اللذان باتا يحددان سياسة المملكة وأولوياتها في ظل ضعف الملك عبد الله وانعدام وجود المؤسسات التي تدرس وتقرر السياسات العامة للدولة.
ومن الطبيعي ان يستدعي هذا التوجه الخارجي سياسات داخلية ملائمة، تعضده بالموقف المتشدد وتستقوي بالقوى الدينية المتصلبة والمذهب التكفيري الاقصائي، للقوى الداخلية والخارجية على السواء.
الا ان هذه السياسة وصلت الى مفترق طرق، بعدما تخلى عنها عرابها الدولي، وباتت مكشوفة امام خطر الهزيمة الشاملة والمحققة. فماذا سيفعل اولئك الجهاديون اذا ما اقفلت امامهم الساحة السورية؟ وكيف سيواجه المحرضون من علماء السلاطين واصحاب الفكر الوهابي المتشدد فشل حملتهم وعودة مجاهديهم الى بلدهم؟ بل أين سيقف امراء المملكة النفطية في الصراع المفتوح بين واشنطن وادواتها في الجيش السوري الحر ضد المجموعات الجهادية في تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام او النصرة وما شابهها من قوى ظلامية وتكفيرية؟
ان انتفاضة الامراء الصقور الممسكين بورقة السياسة الخارجية والامن خصوصا هي ردّ فعل استباقيّ قبل تحميلهم مسؤولية انهيار مشروعهم الاقليمي، وتحويلهم الى كبش محرقة لاعادة الانسجام بين المملكة والراعي الاميركي، الذي يحدد سياساته في المنطقة بناءً على مصلحته وحسب، وعلى الاخرين اللحاق به، دون نقاش او جدل.
ويعتقد جناح الصقور هذا ان بامكانه الاستقواء بما بقي له من اوراق ضغط على الادارة الاميركية، للتخفيف من سرعة استدارتها، والسماح له بتحقيق انجاز يمثل جائزة ترضية له، تعزز موقفه الداخلي، بانتظار لحظة البدء في اعادة توزيع مراكز القوة في المملكة.
ومن هذا المنطلق تتوجه انظار هذا الفريق الى ما يمكن ان يفعله حزب الليكود الاسرائيلي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وبعض اعضاء الكونغرس، ممنيا النفس بامكانية الحفاظ على مواقعه، التي يعبر عنها بهذا الموقف الحانق والتصرفات المشاغبة لتصعيد حملة الارهاب في سوريا والعراق.. وربما وصل به الامر الى هز الاستقرار في لبنان الذي تحرص عليه اوروبا وواشنطن معا في هذه المرحلة، للفت الانظار ليس الا.
الثنائي بندر ــــ فيصل يبدو كمن اختطف سياسة بلاده رهينة للتهديد بها، بعدما اصبحا لاعبين خارج دائرة اللعبة الاقليمية التي تحدد معالمها الولايات المتحدة، وقبل ان تسقطهما المعادلة الداخلية من حساباتها.





ابحث عن النفط


في مقال لافت يحاول تفسير قرار السعودية عدم قبول مقعد مؤقت في مجلس الأمن، تساءلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: «ما الذي يجعل دولة تعتمد كلياً على دعم واشنطن تغامر بإغضابها، ثم تتخلى عن موقع دولي لم تصل اليه في تاريخها؟».
ورأت الصحيفة ان إحدى الفرضيات تتعلق بشعور السعودية بأن أميركا مقبلة على زيادة انتاجها من النفط في السنوات المقبلة، مما يجعل السعودية اقل حظوة لديها، وهي اذ تختلف معها حول مجمل ملفات المنطقة، بدءا من مصر وانتهاءً بسوريا وايران، فإن الرياض باتت خائفة من الوقوع في مشاكل خطيرة مع واشنطن، مما جعل المشاركة في مجلس الأمن ببساطة لم تعد تستحق كل هذا العناء.