تونس | ٨٧ حاجاً تونسياً ظلّوا لأيام عالقين في مطار جدة السعودي، ولم يُسمح لهم بأداء مناسك الحج إلّا مساء أول من أمس، بعدما تدخل الملك السعودي عبد الله، رغم انه تبين أن تأشيرات الحج التي يحملونها مزيفة، اذ حصلوا عليها من موريتانيا عن طريق وكالة أسفار. في الوقت نفسه، أُوقف ٥٤ حاجاً تونسياً في مطار قرطاج ومُنعوا من السفر بعدما قدّموا جوازات سفر وتأشيرات حج من دولة غامبيا.

هذه «المأساة» التي تعرّض لها الحجاج التونسيون عدّتها المعارضة فضيحة للحكومة، التي أكدت مرة أخرى عجزها الكامل عن تسيير الدولة، إذ لم تعرف تونس طيلة تاريخها هذه «الفوضى» وترهل جهاز الدولة ومؤسساتها بعد عملية التصفية التي تتعرض لها منذ صعود الترويكا الى الحكم.
أزمة الحجاج استعملتها المعارضة لتعبئة الشارع ضد الحكومة، بينما كان عدد من الحجيج التونسيين العالقين في جدة ـــ قبل صدور الإذن الملكي ـــ يستنجدون بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، المقيم في جدة، طالبين منه التدخل لحل مشكلتهم.
في المقابل، نفت سفارة السعودية في تونس في بيان رسمي لها ان يكون سماح السلطات السعودية للحجيج التونسيين، قد جرى بتدخل من الرئيس الأسبق بن علي، كما روجت له عديد المواقع الإخبارية والاجتماعية.
وفي سياق متصل، أكد الصحافي زياد الهاني، أن «جهات نافذة» وقريبة من الحكومة متورطة في هذه العملية، وذلك رداً على بيان مكتب رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، الذي اتُهمت كريمته في هذه القضية، التي يبدو ان تداعياتها ستتواصل.
من ناحيتها، أشادت وزارة الشؤون الدينية في تونس بجهود وتفهم السلطات السعودية، فيما أجّجت هذه الأزمة الغضب الشعبي، إذ إن الفوضى التي رافقت موسم الحج لم تعرفها تونس سابقاً، رغم تدخل أصهار الجنرال بن علي في سوق الحج من خلال وكالة أسفار كانت تنظم الحملات لأداء هذه الفريضة خارج البعثة الرسمية. وبسبب هذه الوكالة أُودع وزير الشؤون الدينية في الحقبة السابقة، أبو بكر الأخزوري، بعد الثورة السجن.
كذلك جرى تتبع صهره عماد الطرابلسي قضائياً، وإيداعه السجن بسبب مجموعة من القضايا، من بينها سوق الحج.
اللافت أن أزمة الحج ومعاناة التونسيين تزامنتا مع تأجيل الحوار الوطني، بعد خمسة أيام من انطلاق الجلسات التمهيدية الى الأسبوع المقبل، وتحديداً الى ما بعد عيد الأضحى، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن تبدأ المناقشات حول رئيس الحكومة الجديدة السبت الماضي.
وقد تجمّد الحوار بسبب الخلاف حول الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إذ قضت المحكمة الإدارية ببطلان إجراءات انتخابات أعضائها، ودعت المجلس الى إعادة عملية الانتخاب من البداية، ما يعني إلغاء كل ما جرى إنجازه، وهذا يعني إعادة فرز الترشيحات من جديد، وهو ما ترفضه «النهضة» فيما تتمسك به المعارضة ومنظمة «عتيد» لمراقبة الانتخابات التي تقدمت بدعوى الى المحكمة الإدارية التي قضت لمصلحتها.
وتثير الهيئة المستقلة للانتخابات جدلاً كبيراً، إذ إن إعادة الفرز ستتطلب وقتاً طويلاً، فيما خارطة الطريق تضمنت أسبوعاً واحدا لإنهاء ملف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. لذلك اقترح بعض نواب المعارضة في الحوار الوطني إحياء الهيئة العليا المستقلة القديمة، التي نظمت انتخابات ٢٠١١، والتي قادت الإسلاميين الى الحكم. هذا ما رفضته «النهضة»، التي تصر على تجاهل حكم المحكمة الإدارية ومواصلة انتخاب من بقي من الهيئة التي انتُخب معظم أعضائها باستثناء عضوين فقط، وهو ما ترفضه المعارضة.
وفي سياق متصل، لا يزال بعض القياديين في «النهضة» يرفضون استقالة الحكومة، ولا يعدونها شرطاً لانطلاق الحوار. أما الأحزاب الثلاثة المنسحبة، التي رفضت توقيع خارطة الطريق (المؤتمر من اجل الجمهورية وتيار المحبة والإصلاح والتنمية) فقد أكدت على حقها في جلسات الحوار مع رفض توقيع خارطة الطريق.
في موازاة هذا المسار أعلن النواب المنسحبون من المجلس الوطني التأسيسي انهم لن يعودوا الى المجلس قبل استقالة الحكومة، فيما دعا ستون نائباً من المتمسكين بالشرعية بسحب الثقة من رئيس المجلس مصطفى بن جعفر، الذي اقتحم مجموعة من النواب مكتبه الخميس الماضي، واتهموه بتلقي الإملاءات من خارج المجلس، وخاصة من الرباعية الراعية للحوار.