بغداد | ساعد الانشغال بقضية الإصلاحات الحكومية في العاصمة العراقية بغداد، منذ الصيف الماضي، رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ــ المنتهية ولايته حسب الدستور المحلي ــ على أن يُبعد الأضواء عن الأزمة التي يواجهها حزبه، الساعي إلى إبقائه في منصبه، لكنّ أطرافاً محلية تتحدث عن تركيز، شبه دائم، لوسائل الإعلام في مدينة السليمانية (معقل حركة «التغيير» المعارضة) على تفاقم الأزمة والتحذيرات من استمرارها، في ظل تمسّك كل طرف بموقفه.
وكانت «حركة التغيير»، بزعامة نوشيروان مصطفى، التي تطالب بتنحي رئيس الإقليم وتحويل نظام الحكم الذاتي فيه إلى برلماني، قد أعلنت في تشرين الأول الماضي أن المكتب السياسي لحزب البرزاني، أبلغ رئيس البرلمان وجميع نوابها «التغيير» ضرورة مغادرة أربيل، على خلفية تظاهرات مناهضة للبرزاني في مدينة السليمانية، تخللتها اشتباكات مع قوات الأمن. ومنذ ذلك الحين، تعطّل برلمان الإقليم وتفاقمت الأزمة السياسية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر من داخل السليمانية بأن وسائل الإعلام الناطقة باللغة الكردية تتحدث، بشكل يومي، عن أن القضية لا تزال كما هي، و«لا تغيير في المواقف أو في المعالجة».
وفي آخر مستجدات هذه القضية ما جرى تداوله من تصريحات لزعيم «الجماعة الإسلامية» علي بابير، وأيضاً لرئيس البرلمان يوسف محمد ــ المعزول بقرار من البرزاني والموجود في السويد ــ اتهما فيها رئيس الإقليم بتعطيل البرلمان في أربيل.
من جهتها، جدّدت «حركة التغيير» رفضها الجلوس مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» ما لم يتنحَّ البرزاني عن السلطة، إذ إن الدستور لا يسمح له بالبقاء لولاية ثالثة. وفي السياق، صرحت النائبة عن الحركة في مجلس النواب العراقي تافكة محمد، بأن «إقليم كردستان حالياً بلا رئاسة، منذ 19 آب الماضي، حينما انتهت ولاية البرزاني، وعليه فإن أي قرار صادر عنه يعد غير شرعي». وأضافت محمد لـ«الأخبار» أن «ما حصل في تشرين الأول هو انقلاب أبيض على الشرعية»، مشيرة إلى أن «الحزب الديموقراطي يسعى، الآن، إلى تفعيل البرلمان من دون حركتنا، الأمر الذي يعد مخالفة واضحة لكوننا الكتلة الثانية من حيث عدد النواب، ونمتلك 24 نائباً من أصل 111».
أي اتفاق سياسي يجب أن يشمل «حركة التغيير»

ويملك حزب البرزاني 38 مقعداً في برلمان الإقليم، بينما يملك حزب الرئيس العراقي فؤاد معصوم، «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي يتزعمه الرئيس السابق جلال الطالباني، 18 مقعداً.
ووفقاً للمعطيات، فإن أي اتفاق سياسي يراد منه تحقيق الاستقرار في الإقليم يفترض أن يشمل «حركة التغيير» إلى جانب ما يُطلق عليهما اسما الحزبين الرئيسين (أي حزبي البرزاني والطالباني)، بخلاف الوضع السابق، حين كان الأمر مرهوناً باتفاق الحزبين فقط. إذ إن الحركة استطاعت، في آخر انتخابات محلية، أن تكون الرقم الثاني في برلمان الإقليم، باستحواذها على حصة حزب الطالباني في مدينة السليمانية.
من جهتها، قالت النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني» نجيبة نجيب، إن «الأحزاب السياسية تعقد اجتماعات وحوارات من أجل الخروج من الأزمة السياسية، لكن حركة التغيير ترفض الحضور، وهذا الأمر يعقّد الوصول إلى تفاهمات». ورأت نجيب، في حديث لـ«الأخبار»، أن «الحزبين الرئيسين هما اللذان يمتلكان الجمهور الأكبر ومستمران في الاتفاق الإستراتيجي بينهما»، مضيفة أنه «بناء على ذلك، يشاوران الأطراف الأخرى لتحقيق الاستقرار». نجيب أوضحت أن البرزاني «طرح عدة حلول للأزمة، ويعقد اجتماعات مستمرة مع كل الأحزاب، لكن (التغيير) ترفض الاجتماع»، مشيرة إلى أن «عدم تجاوبها يعني عدم الاكتراث للمصلحة العامة».
ودافعت نجيب عن مساعي تفعيل البرلمان، من دون «التغيير»، وقالت إنه «إذا استمرت گوران (الاسم الكردي لـ«التغيير») في موقفها، فسنذهب إلى إعادة البرلمان، ونعمل بنظام الأغلبية السياسية». ولم تخفِ نجيب أن «أزمة التغيير الحكومي في بغداد ساهمت في توحيد الأحزاب الكردية، ووفرت أرضية لفتح الحوار بين الأطراف داخل الإقليم».
بدوره، رأى الكاتب المختص بشؤون كردستان سامان نوح أن «كردستان اليوم بلا برلمان، وبلا حكومة حقيقية، وبرئيس تدور حول شرعية استمراره في منصبه خلافات كبيرة، بينما يعاني المواطنون أزمة اقتصادية متفاقمة لم يعرفوها منذ التسعينات». وأضاف نوح لـ«الأخبار» أن «الأزمة السياسية أفقدت الثقة بكل اللاعبين السياسيين في الإقليم، وأظهرتهم كطلّاب سلطة ومصالح شخصية، فيما المشكلة تتعقّد يوماً بعد آخر، مع توالي التصريحات المتشنّجة من كبار قادة الأحزاب السياسية المتصارعة، التي تؤشر إلى انعدام للثقة». وفيما رأى أن «الإقليم ماضٍ إلى المجهول، وهو في انتظار دولة إقليمية أو واشنطن لتقديم مقترح للحل»، لفت إلى أن «اللاعبين الإقليميين، كما الولايات المتحدة، لديهم قضايا أهم من صراعات الأكرد لحلّها».
وفي السياق، أشار إلى أن «الحزب الديموقراطي» يراهن على ضعف معسكر «التغيير» و»الجماعة الإسلامية» ليفرض مواقفه ــ مدعوماً بورقة الاستفتاء ــ على تقرير مصير الإقليم، مضيفاً أن «التغيير تراهن، من جهتها، على الوقت وعلى تفاقم الأزمة المالية، التي قد تنفجر في أي ساعة، وتتحوّل إلى موجات غضب وفوضى تُفرز احتقاناً حاداً في الشارع». أما «الاتحاد الوطني»، فبحسب الكاتب «عاجز عن تقديم أي حلول للأزمة السياسية، وسط مشاكله الداخلية وانقسامات قادته في المواقف والرؤى».