رغم سياسة «الغموض النووي» التي تعتمدها إسرائيل وتبتغي من ورائها استحضار القدرة النووية الإسرائيلية في الوعي العربي، فإن رواية جديدة حول تداول مسؤولين إسرائيليين بحث اللجوء الى استخدام السلاح النووي خلال «حرب الغفران» عام 1973، نشرها معهد ويلسون الأميركي أول من أمس. تظهر الرواية أن الوجه النووي للحرب نفسها كان أشبه بمناكفة سياسية إسرائيلية داخلية أكثر منه إجراءً استراتيجياً لتغيير مسار الحرب.
والرواية الجديدة تفيد أن وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، الذي تكشف محاضر المداولات الحكومية لأيام الحرب أنه أصيب بالهلع وتحدث عن «خراب الهيكل الثالث»، اقترح على رئيسة الوزراء غولدا مئير التلويح بالخيار النووي. وتستند الرواية إلى إفادة مصورة نشرها أمس الموقع الإلكتروني للمعهد الأميركي لأرنين عزرياهو، مساعد وأمين سر الوزير يسرائيل غليلي، المقرّب من مئير، عضو المطبخ الأمني في حكومتها.
يروي عزرياهو في المقابلة التي أجراها معه الباحث في التاريخ النووي الإسرائيلي، أفنير كوهين، تفاصيل اجتماع حكومي أمني مصغر انعقد في اليوم الثاني للحرب في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، ضم كلاً من مئير وديان وغليلي والوزير يغآل ألون، إضافة إلى رئيس الأركان دافيد إليعيزر ومسؤولين آخرين.
وبحسب الرواية، فإن الاجتماع كان يبحث وضع جبهة الجولان التي كانت القوات السورية تتقدم فيها في مقابل تقهقر القوات الإسرائيلية. وفي نهايته انتظر ديان حتى خرج رئيس الأركان ومعظم المشاركين وسأل رئيسة الوزراء، بحضور غليلي وألون، إن كانت توافق على أن تعقد جلسة «عصف ذهني» بمشاركة رئيس الوكالة النووية الإسرائيلية، شلهيفيت فريار، للبحث في خيارات تتعلق باستعراض قدرات السلاح النووي، من دون أن يكون واضحاً ما إذا كان هذا الاستعراض موجهاً للأميركيين أو للسوفيات أو للعرب.
ووفقاً لما ينقله عزرياهو عن غليلي، فإن ديان لم يطلب أن يقر المجلس الوزاري المصغر اقتراح عرض هذه الخيارات، بل طلب من مئير أن تصدّق على أن يجري رئيس الوكالة النووية الاستعدادات اللازمة لتقديم هذا العرض بحيث تكون جاهزة في حال استدعت الحاجة بحثها بجدية.
ويشير عزرياهو إلى أنه عندما كان ينتظر في الردهة خارج غرفة الاجتماعات حضر شلهيفيت، الذي كان صديقاً له، إلا أنه تنكّر له وجلس بعيداً عنه بانتظار أن يستدعى إلى الغرفة. وبعد أن خرج غليلي روى له ما حصل في الاجتماع على الشكل الآتي: «اتضح أن هناك أخباراً غير جيدة من الجولان. السوريون يتقدمون ونحن لا ننجح في صدّهم. وفي نهاية الاجتماع، جرى استدعاء رئيس الأركان إلى خندق القيادة، وعندما ذهب وهمّ الآخرون بالرحيل على أساس أن الاجتماع انتهى، قال ديان إن الوضع سيّئ جداً، وبما أنه لن يكون لدينا الكثير من الوقت أو الاحتمالات، يجدر أن نستعد لإظهار الخيار النووي».
وكشف ديان عن أنه استدعى رئيس الوكالة الذرية، وأن الأخير ينتظر في الخارج لتقديم عرض مهني يتعلق بهذا الخيار، وقال لرئيسة الوزراء «إذا وافقتِ، فهو سيجري الاستعدادات اللازمة بحيث إذا تقرر أن نفعل هذا الخيار يستغرق الأمر بضع دقائق وليس نصف يوم لنجري الاستعدادات المطلوبة».
لكن الوزيرين غليلي وألون اعترضا على هذا الأمر، قائلين إن بإمكان الجيش الإسرائيلي الصمود والتصدي للهجوم السوري، مشيرين إلى أن جنود الاحتياط في طريقهم إلى الجولان، ولا ينبغي إثارة الهلع. وبعد أخذ ورد، تبنّت مئير رأي الوزيرين، وطلبت من ديان أن ينسى الأمر، وقالت «سنقاتل قتالاً تقليدياً، من دون إشراك أي عناصر أخرى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة».