حلب - تراجعت حدة الاقتتال بين الجماعات المسلحة، بعدما أقرّ الجميع بقوة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وبتحاشي الاصطدام معها، وإحساس جميع الفصائل أنّ الرياح الإقليمية تحمل لهم ما لا يُشتهى.
وجاء إعلان 13 من أهم الفصائل التبرؤ من «الائتلاف» وعدم تفويضها أي جهة من المعارضة في الخارج بتمثيلها، ليلجم اندفاعة «داعش» لابتلاع الكتائب ونزع سيطرتها عن مناطق الريف الحلبي، فقد أعاد تذكير الجميع بأن النظام يتربص بهم جميعاً، فيما يبدو أن سعي تلك الفصائل، عدا «داعش» لتشكيل «جيش الاسلام» هو للردّ على «الائتلاف»، الذي دعا إلى تشكيل «جيش وطني»، وعلى «داعش» في الوقت نفسه، وهي التي باتت تستقطب المجاهدين العرب وقسماً كبيراً من الشبان السوريين الذين اعتنقوا فكر تنظيم القاعدة.
من جهته، قال مصدر معارض في حلب إنّ مسار تطور «الجيش الحر» والكتائب المقاتلة سيقضي على نحو كامل على الثورة السورية وسيحولها إلى نزاع طائفي ــــ تكفيري يسحب الغطاء الشعبي عنها، وربما يؤدي بعد تسوية أميركية مع النظام لضمان أمن إسرائيل إلى تكليف دولي للنظام سحق الثورة بعد إغلاق الحدود التركية، وتقديم معلومات تسهّل على النظام مهمته.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، في حديثه مع «الأخبار» إن انتقالاً ملموساً للمسلحين العرب والأجانب يجري من «جبهة النصرة» والجماعات الأخرى المتشددة باتجاه «الدولة»، ما يزيد من قوتها على حساب بقية الجماعات المنافسة.
ولفت المصدر إلى أنّ القلق يسود جميع أوساط المسلحين من الانتصارات التي تحققها «داعش» على جميع خصومها، وبالأخص أوساط «جبهة النصرة» و«لواء التوحيد» و«حركة أحرار الشام الإسلامية»، وهي القوى الأكثر انتشاراً وفعالية في ريفي حلب وإدلب.
من جهته، قال مصدر حقوقي في حلب إنّ «داعش» تسعى إلى استقطاب محامين وقضاة لتشغيلهم في «الهيئة الشرعية». ولفت المصدر إلى أنّ محامين متعاملين مع هذا التنظيم يقفون وهم ملثّمون في معبر بستان القصر لدلالة عناصر «داعش» على المحامين والقضاة القائمين على رأس عملهم في المؤسسات العدلية السورية لاستجوابهم من قبل «أمراء» التنظيم «القاعدي»، والضغط عليهم للـ«انشقاق» والعمل لديها كقضاة شرعيين نتيجة ضعف مستوى قضاتها.
«الدولة» لأردوغان: فتح المعابر أو «الاستشهاديين»
في موازاة ذلك، هدّد «داعش» بشنّ سلسلة من «الهجمات الاستشهادية» التي تستهدف عبرها الحكومة التركية، مطالبة إياها بفتح معبري باب الهوى وباب السلامة، اللذين أغلقتهما أنقرة بعد سيطرة التنظيم على بلدة اعزاز.
التنظيم الإسلامي، أعلن وفقاً لبيان نسب إليه ونشرته مواقع متخصصة بنشر الأخبار الجهادية، أنّ «أقدام أسود التنظيم الطاهرة قد اقتربت من أن تطأ أرض الإسلام في بلاد الترك، لتنشر الرسالة الحسنة، وتطهر أرضها من الكفار والبغاة».
وأمهل التنظيم حكومة العدالة والتنمية مهلة أقصاها اليوم الاثنين لفتح المعبرين الحدوديين، متوجهاً بكلامه إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالقول: «عليك وأزلامك تحسس رؤوسكم بعد أن تحكّم الاستبداد بالبلاد والعباد، فاستوجب عليكم حكم الله، على البغاة».
كذلك، أشار البيان إلى مسؤولية التنظيم عن تفجيرات الريحانية وباب الهوى، محذراً من أنّ العمليات الانتحارية ستصل إلى أنقرة وإسطنبول مستهدفة مصالح الحكومة التركية فيها.
ميدانياً، قتل ستة عشر مسلحاً في كمين محكم خلال محاولة تسللهم إلى حيّ صلاح الدين، فيما لقي عدد آخر مصرعه خلال اشتباك مع قوات الجيش السوري في حي الأنصاري المتاخم لحي صلاح الدين.
بالتزامن مع ذلك، استمرت غارات سلاح الجو في استهداف قوافل السلاح والذخيرة القادمة من الحدود التركية، حيث أغارت الطائرات على أرتال سيارات بين الأتارب وأورم الكبرى، وبين أورم الكبرى وقبتان الجبل.
وفي أقصى جنوب عفرين، استمرت الاشتباكات بين «وحدات حماية الشعب الكردي» و«داعش» في محيط قرية أطمة جنديرس التابعة لمحافظة إدلب، التي تسيطر عليها «داعش»، التي خسرت بعض مواقعها في المنطقة بعد مقتل قائدها الميداني عمر الشيشاني.
وتمكنت «وحدات الحماية» من التقدم ودحر المسلحين التكفيريين وإبعادهم عن القرى الكردية جنوب عفرين، وصولاً إلى مهاجمتهم في أطمة، التي كانت من أولى القرى السورية التي استقبلت مقاتلي القاعدة أثناء مرحلة «التظاهرات السلمية».
محطة الاتصالات بيد «الهيئة»
وفيما تستمر خدمة الانترنت في الانقطاع عن المدينة، قال مصدر في الهلال الأحمر العربي السوري في حلب إنّ الفشل كان مصير المفاوضات مع «الهيئة الشرعية» في سراقب، التي استولت على محطة الاتصالات، وقطعت خدمات الهاتف والانترنت بين حلب وبقية المحافظات السورية. وأشار المصدر إلى أنّ «الهيئة» طلبت دفع أتاوة مالية باهظة من أجل إعادة تفعيل بطاقات الخدمة في المحطة، ولم تطلب إطلاق سراح معتقلين كما في كل مرة.
إلى ذلك، يواصل الجيش السوري تقدمه في ريف دمشق على محاور عديدة، أهمها القابون وزملكا وجوبر. وتمكّن الجيش من دخول زملكا بعد إحكامِ السيطرة على الجهةِ الغربية للعاصمة السورية من ناحية المتحلق الجنوبي. وقال ضابط ميداني لقناة «روسيا اليوم» إنّ «وحدات الجيش السوري دخلت منطقة زملكا من ناحية القابون الصناعية بعد خمس عمليات إنزال، ثم تولّت تأمين الطريق وتطهير الأبنية والبيوت». ورغم هذا التقدم لا تزال عمليات القنص التي ينفذها مقاتلو المعارضة مستمرة، لاستعادة ما خسروه من نقاط مهمة داخل حيّ جوبر.
مقتل زعيم في «الشريعة لبلجيكا»
إلى ذلك، قتل أول من أمس، أحد زعماء المنظمة البلجيكية الاسلامية (الشريعة لبلجيكا)، أحمد ديخادج، الذي كان يقاتل في صفوف «المجموعات المتطرفة». وأفادت قناة «RTBF» البلجيكية بأنّ هذا المقاتل أصبح البلجيكي العاشر الذي يُقتل في سوريا، وبأنه تتوافر افلام وثائقية تؤكد موته. وكانت منظمة «الشريعة لبلجيكا»، حتى اعتقال زعيمها فؤاد بلقاسم الربيع الماضي، تنشط على نحو مكشوف في بروكسل وانتفيربين لتجنيد الشباب للمشاركة في القتال في سوريا.