الخرطوم - الأخبار شهد اليوم السادس لبداية حركة التظاهرات في السودان احتجاجاً على رفع أسعار الوقود وبعض السلع الأساسية، تطوراً نوعياً وذلك بتحرير مجموعة من القيادات السياسية الفاعلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم لمذكرة موجهه بصورة مباشرة الى الرئيس عمر حسن البشير، طالبته فيها بالاستجابة لمطالب الشارع. وفي الوقت نفسه برزت حركة اصلاحية من قلب الحزب الحاكم إلى جانب المتظاهرين.

وطالبت المذكرة بايقاف الإجراءات الاقتصادية والأمنية فوراً، وتشكيل آلية وفاق وطني من كافة القوى السياسية، للاتفاق على وصفة عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية خلال مدة زمنية لا تتعدى الأسبوعين. وأعلنت المجموعة التبرؤ من قتل المتظاهرين، وعدّته أمراً يخالف الشريعة الإسلامية، مشيرة إلى أن الحكومة لم تسمح للمتظاهرين بالتعبير السلمي عن آرائهم وفق ما يكفله لهم الدستور، وطالبت الرسالة الرئيس أيضاً بإطلاق الحريات كما يكفلها الدستور، وايقاف الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، وإجراء تحقيقات محايدة حول إطلاق الذخيرة الحية على المواطنين ومعاقبة المسؤولين عنها.
المجموعة تكونت من (31) شخصية من الإصلاحيين داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، يتقدمها المستشار السابق للرئيس غازي صلاح الدين، والعميد ود إبراهيم، أبرز قادة حركة «سائحون»، بالإضافة الى الأمين العام السابق للحركة الإسلامية حسن عثمان رزق.
في الوقت نفسه، يرى متابعون أن تلك الخطوة سيكون لها أثر بالغ في كيان النظام، حيث أن جلّ أفراد تلك المجموعة سبق ان كانوا ممسكين بالعديد من الملفات المهمة والحساسة في الدولة والحزب على حد سواء.
في هذه الأثناء، يعتقد البعض أن حكومة الخرطوم لن تلتفت الى تلك المطالب الإصلاحية، حيث سبق أن رُفِعت العديد من المذكرات الإصلاحية الى القيادة السودانية من دون أن تحدث أي أثر يُذكَر.
ولا يستبعد محللون أن يتعرض الموقّعون على تلك المذكرة لحملة اعتقالات منظمة تطاول جميع أفرادها الـ31، إذ وصف القيادي في حزب المؤتمر غازي صلاح الدين، ما يمر به السودان في الوقت الحالي بأنه حالة من الانفلات الذي قد يؤدي الى قطيعة وحالة من الكراهية.
وأضاف أن ما حصل هو «استقطاب اجتماعي حاد من شأنه أن يؤدي الى عنف لا يمكن السيطرة عليه»، مضيفاً في حديث لفضائية «بي بي سي» أنه «إذا تدخلنا بمبادرات سياسية يمكن أن ننحي الكراهية جانباً».
ورأى أن السودان بلد فيه تصدّعات كثيرة يمكن ان تتحول الى مادة للصراع.
ولم يكن مستغرباً أن تنضم مجموعة «سائحون»، التي لطالما نصحت الرئيس بإجراء الاصلاحات، على الرغم من أن هذه المجموعة المحسوبة على الحزب الحاكم لم تتحرك، وتتخذ موقفاً واضحاً تجاه التظاهرات، إلا بعدما ارتفعت حصيلة ضحايا التظاهرات إلى ما يفوق المئة قتيل بحسب ناشطين.
لقد أصدرت «سائحون»، أمس بياناً أعلنت فيه انحيازها وانضمامها للتظاهرات ضد حزبها الحاكم، منددة بجرائم قتل المتظاهرين من الشباب العزل، ومطالبة الحكومة بالتنحي حقناً للدماء، وتأليف حكومة انتقالية تقود تسيير الأمور حتى قيام انتخابات حرة ونزيهة.
ويرى مراقبون أن انحياز «سائحون»، واصلاحيي الحزب الحاكم إلى جانب المتظاهرين يمثل إضافة ودفعاً قوياً لمسيرة المطالبة بالتغيير، وخاصة أن هذه المجموعة ظلّت تطالب حزبها منذ فترة طويلة بإجراء إصلاحات حقيقية داخله، وقبول التخلي عن الحكم وتأليف حكومة وطنية انتقالية.
ويبدو أن تجاهل قادة الحزب للاستجابة لهم والاستماع إلى مطالبهم، هو ما جعلهم يتّخذون هذا الموقف الحاد بالانضمام إلى صفوف المطالبين برحيل النظام.
وسبق للمجموعة ان اتخذت موقفاً أشد حدة عندما قامت بمحاولة انقلابية فاشلة ضد النظام، قادها العميد إبراهيم، الذي ظل يؤكد على الدوام أن هدف مجموعته من اسقاط النظام هو اقرار مبادئ الديموقراطية، عبر تسليم الحكم إلى حكومة انتقالية حتى الوصول إلى حكومة وطنية منتخبة، وأيضاً محاربة الفساد الذي بات أبرز سمات حكومة حزبه. يُضاف هذا الحراك السياسي إلى «تنسيقية قوى التغيير»، التي أُعلن تكوينها قبل يومين، وتتكون من قوى التغيير الشبابية والأحزاب المعارضة وبعض النقابات العمالية، إضافة الى منظمات المجتمع المدني، وذلك في أول خطوة للمعارضة في اللحاق بالشارع بغرض تنظيمه والذهاب به إلى خطوات أبعد في طريق التغيير. وبالتالي ضمان استمرار حركة الاحتجاجات حتى اسقاط النظام.
في المقابل، في اليوم السابع لانطلاق التظاهرات، عادت الحركة إلى وسط العاصمة الخرطوم، وبدت معظم أحياء وشوارع المدينة هادئة، وانسابت وسائل النقل والمواصلات بصورة طبيعية، في أول ايام الاسبوع الذي كان يشهد في الغالب ندرة في المواصلات، مع تواتر أنباء متتالية عن قيام تظاهرات متفرقة ببعض المناطق. وبالرغم من ذلك أعلنت الحكومة أمس تمديد إغلاق المدارس إلى العشرين من تشرين الأول بدلاً من اليوم الاثنين، مما يشير إلى أنه لا تزال لديها مخاوف من تجدد التظاهرات، التي يمثل الطلاب الداعم الرئيس لها.
كذلك قدّمت حكومة ولاية الجزيرة في مدينة «ود مدني»، التي شهدت الشرارة الأولى لانطلاقة التظاهرات، 137 معتقلاً الى المحاكمة بتهمة التخريب واثارة الشغب، وستجري محاكمة بعض هؤلاء تحت طائلة مواد «اثارة الكراهية» و«الحرب ضد الدولة».
في الوقت الذي تردد فيه الحكومة بأنها ماضية في سياساتها الاقتصادية ولن تتراجع عنها، بينما اتهم مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع مندسين وسط المحتجين بقتل المتظاهرين. وقال ان الذخيرة التي قتل بها المواطنون الابرياء غير مستخدمة لدى القوات النظامية .