تونس - لم تدم فرحة التونسيين طويلاً إزاء إعلان حركة النهضة قبول مبادرة الحوار التي طرحتها المعارضة، فبعد ساعات من إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل، موافقة «النهضة» في مراسلة رسمية الى الاتحاد على قبول مبادرة المنظمات الراعية للحوار الوطني، وأول بند فيها استقالة الحكومة، نفى المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة عبد السلام الزبيدي، أن تكون رئاسة الحكومة قد وافقت على الاستقالة.
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، قد هنأ التونسيين بالاقتراب من الخروج من المأزق، شاكراً جهود المنظمات والأحزاب التي حرصت على التوافق، ومشيراً إلى أن قبول «النهضة» المبادرة اشارة إيجابية.
فكذلك، أبدت الأحزاب التونسية، على اختلافها، ارتياحها للموقف الجديد لحركة النهضة، بينما أكد الوزير السابق في حكومة حمادي الجبالي المستقيلة، لطفي زيتون، في حوار مع جريدة «لوفيغارو» الفرنسية موافقة «النهضة» على المبادرة من دون شروط، مشيراً الى أن الحوار سينطلق اليوم الاثنين أو غداً الثلاثاء. إلاّ أن هذا الارتياح لم يدم طويلاً، إذ أعلنت رئاسة الحكومة من خلال احد مستشاريها، أنه لا صحة لما جرى ترويجه عن استقالة الحكومة.
وفي السياق نفسه، قال وزير النقل، القيادي السابق في الاتحاد العام التونسي للطلبة (الذراع الطلابية لحركة النهضة)، عبد الكريم الهاروني، إن الحكومة لن تستقيل ولن تسلم الحكم إلا لحكومة أخرى مُنتخبة بعد أن ينتهي المسار الانتقالي بكتابة الدستور وتنظيم الانتخابات، وذلك في تناقض كامل مع ما وقّعه رئيس الحركة راشد الغنوشي.
تباين المواقف داخل صفوف حركة النهضة الحاكمة، يثبت أن هناك صراعاً داخلياً حول مجموعة من الملفات، منها الموقف من حكومة الكفاءات التي تطالب بها المعارضة.
وتؤكد بعض المصادر القريبة من «مونبليزير» (عنوان المقر المركزي للنهضة)، أن الغنوشي لم يعد هو الوحيد الذي يملك القرار، إذ أصبح لقادة الحركة الطلابية في الثمانينات المعروفين بالتشدد مثل الهاروني، ووزير الصحة عبد اللطيف المكي، والناطق الرسمي باسم الحركة العجمي الوريمي، ورئيس المكتب السياسي عامر العريض، دور رئيسي في توجيه مواقف الحركة. موقف متناغم مع متشددي جيل السبعينات مثل رئيس الحكومة علي العريض، ورئيس كتلتها في المجلس الوطني التأسيسي الصحبي عتيق، ووزير الفلاحة محمد بن سالم، وعضوي المجلس التأسيسي الحبيب اللوز، والصادق شورو.
هؤلاء حسب المطلعين على كواليس الحركة هم الذين يملكون سلطة القرار، وهو ما يفسر تراجع «النهضة» أخيراً عن الكثير من المواقف التي أعلنها الغنوشي. هذه التسريبات التي تكاد تكون مؤكدة نظراً إلى تقاليد الحركة المعروفة بالسرية والتكتم، تزامنت مع استقالة الناطق الرسمي باسم الحركة نجيب الغربي، من كل هياكل «النهضة»، كما استقال أخيراً منار إسكندراني، وهو قيادي بارز كان مستشاراً في وزارة الخارجية.
هذا ما يؤكد تصريحات مؤسس الحركة نائب رئيس الحركة، عبد الفتاح مورو، منذ أيام، التي أشار فيها إلى أن الغنوشي يعاني حصاراً من مجموعة من الشباب الذين لم يتخلصوا من عقلية الحركة الطلابية. وأفادت بعض التسريبات عن لقاء الغنوشي والجبالي، الأمين العام للحركة، المجمّدة عضويته منذ أشهر، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بوشلاكة، مع سفير الولايات المتحدة جاكوب والس، الذي قد يكون نجح في إقناع الغنوشي بالموافقة على استقالة الحكومة حتى لا يفشل المسار الانتقالي في البلاد. وهو ما حذرت منه بعض الجهات الأميركية والأوروبية.
لكن حتى وإن وافقت «النهضة» على مبادرة المنظمات الراعية فان الرئيس محمد المنصف المرزوقي وحزبه «المؤتمر من اجل الجمهورية» يرفضان أي تسوية خارج نتائج انتخابات ٢٣ تشرين اول ٢٠١١، وهو ما سيُعقّد المشهد التونسي أكثر، وخاصة بعدما طرح زعيم حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، الذي يقود المعارضة، ضرورة خروج المرزوقي من قصر قرطاج، في وقت لم يجرِ التعليق فيه على ما نشرته صحيفة «الشروق» الجمعة نقلاً عن مصادر مطّلعة، كشفت لها عن اعتزام عدد من المنظمات والأحزاب السياسية ترشيح وزير الداخلية لطفي بن جدو لرئاسة الجمهورية.
في الوقت نفسه، لا تزال تونس تعيش تداعيات تصريحات الرئيس المؤقت، التي انتقد فيها النظام المصري، ودعاه الى إطلاق الرئيس محمد مرسي. أزمتان دبلوماسيتان نتجتا عن هذا التصريح؛ إذ استدعت وزارة الخارجية المصرية أول من أس سفيرها لدى تونس «للتشاور»، بينما دعت الإمارات بدورها سفيرها هناك ايضاً للهدف نفسه (التشاور) على خلفية مطالبة المرزوقي بإطلاق سراح مرسي، واعتباره «رئيساً شرعياً».
أمنياً، نفّذت قوى الأمن التونسية مداهمات في منطقة المرناقية قرب العاصمة، وعثرت على كميات من المتفجرات والعبوات الناسفة والمواد المعدة لصنع المتفجرات وأسلحة، فيما عُثر في مدينة صفاقس (العاصمة الاقتصادية للبلاد) على كمية من الأسلحة والخراطيش في منزل رجل أعمال.